لم يكن أحد يتوقع أن يحوز الفريق شفيق على كل هذا الكم من الأصوات في الانتخابات الرئاسية و ذلك لعدة أسباب، فالرجل أنكر على الثورة كونها ثورة من البداية و سخر من الثوار، ثم حدثت في فترة توليه منصب رئيس الوزراء موقعة الجمل الشهيرة التي راح ضحيتها العديد من أرواح الأبرياء و أصيب آخرون بعاهات مستديمة، ثم رفض أن يستقيل من منصبه كرئيس وزراء حتى قامت العديد من المظاهرات ضده، ثم حاول مجلس الشعب عزله بقانون العزل الذي تم رفضه لعدم دستوريته، ثم استقبله العديدون بالهتاف ضده في حملاته الانتخابية، ناهيك عمن ألقوه بالنعال، و كل ذلك إضافة إلى نرجسيته البالغة و انعدام الرؤية السياسية و عدم قدرته على التحدث بالمنطق و الأسلوب الذي يليق برئيس مصر. ثم انتشرت الشائعات قبيل الانتخابات الرئاسية أن الكنيسة المصرية تدعم شفيق للرئاسة و أنه "مرشح الأقباط"، و قال البعض أن تصويت الأقباط لصالح الفريق شفيق هو السبب في حصوله على كل هذا الكم من الأصوات الذي يقترب من ثلث القوة التصويتية للمصريين، مما سينتج عنه احتمال دخوله في انتخابات الإعادة، و هو ما كان لا يرجوه معظم المصريين المحبين لوطنهم.
و حسبما أذكر فإن نسبة المسيحيين في مصر كما ادعى الكثيرون--و خاصة التيار الإسلامي--لا تتجاوز ٥٪، و هناك من أكد أنهم لا يتجاوزون ٣٪ من تعداد المصريين، و قالت الكنيسة القبطية الأورثوذكسية أن المسيحيين يمثلون ١٢٪ من المصريين، و اتفق معظم الأطراف أن نسبة ٨-١٠٪ أكثر نسبة مقبولة، و هذا أيضاً على قدر علمي المحدود الذي يبدو أنه يتجاوز علم الدولة التي تدير نظام الرقم القومي الذي يحتوي على الديانة كخانة أساسية و تصدر الإحصائيات الرسمية و بالرغم من ذلك لا تمتلك إحصائية رسمية عن نسبة المسيحيين في مصر.
و إن كان الفريق شفيق سيحصد حوالي ٢٠-٣٠٪ من الأصوات، و نحن الآن لا نزال ننتظر النتيجة الرسمية للفرز، و إن أهلته هذه النسبة أم لم تؤهله للدخول في انتخابات الإعادة، و إذا افترضنا أن كل مسيحي في مصر له حق التصويت أعطى صوته للفريق شفيق، فإن هناك ما بين ٨٪ على أقل تقدير (مسيحيون ١٢٪ و نسبة تصويت ٢٠٪) و ٢٧٪ على أقصى تقدير (مسيحيون ٣٪ و نسبة تصويت ٣٠٪) من المسلمين قد أدلوا بأصواتهم لصالح الفريق شفيق. و المعقول أن تكون نسبة حوالي ١٢٪ من المسلمين (مسيحيون ٨٪ و نسبة تصويت ١٢٪) قد صوتوا لصالح الفريق شفيق.
و ذلك طبعاً بفرض أن المسيحيين قد نزلوا بكامل عددهم للإدلاء بأصواتهم (و هو ما لم يحدث حيث أنني قاطعت الانتخابات و أعلم أن الكثيرين من المسيحيين لم يدلوا بأصواتهم) و على فرض أن الأقباط الأورثوذكس الذين قالت لهم كنيستهم--بحسب ما يدعي المدعون--أن ينتخبوا الفريق شفيق يمثلون ١٠٠٪ من مسيحيي مصر (و هو غير صحيح حيث أن هناك عدد لا بأس به من الكاثوليك و البروتستانت) و على فرض أن كل الأورثوذكس صوتوا لصالح الفريق شفيق (و هو أيضاً غير صحيح لأنني أعلم علم اليقين أن معظم أهلي و أصدقائي و معارفي لم يصوتوا لصالحه) و بفرض أن الكنيسة القبطية الأورثوذكسية فعلاً أيدت الفريق شفيق، في الوقت الذي أصدر فيه الأنبا باخوميوس قائم مقام البطريرك تصريحاً أن الكنيسة تقف على مسافة متساوية من جميع المرشحين، و في الوقت الذي أصدر فيه المجمع المقدس قراراً بحل لجان المواطنة بالكنائس حين تنامى إلى علمهم أن بعضها يحاول التأثير على الناخبين الأقباط لانتخاب الفريق شفيق. و لجان المواطنة لمن لا يعلم هي لجان خدمية أوصى بتشكيلها المتنيح البابا شنودة لمساعدة الأقباط على استخراج بطاقات انتخابية و ممارسة حقوقهم السياسية كمواطنين مصريين مساوين لغيرهم في الحقوق و الواجبات، و ليس من شأن لجان المواطنة إطلاقاً ترجيح مرشح على غيره.
و الجديد في الموضوع أن البعض يلوم أقباط الصعيد لتقدم شفيق هناك مدعين أن الأقباط في الصعيد يشكلون كتلة تصويتية لا يستهان بها. على حد علمي فإن نسبة المشاركة في الانتخابات لا تتجاوز ٥٠٪، فلماذا لا نفترض أن معظم أقباط الصعيد لم يصوتوا أصلاً أو أعطوا أصواتهم لحمدين صباحي مثلاً و أن أصوات شفيق معظمها من مسلمي الصعيد؟ هل هناك إحصائيات من أي نوع تحدد من من الأقباط انتخب شفيقاً أو غيره؟ و هل هناك إحصائيات تحدد نسبة مشاركة الأقباط و المسلمين في الانتخابات؟ فإذا كنا لا نعلم هذا أو ذاك علم اليقين، فكيف نلوم أقباط الصعيد على تقدم شفيق؟
و كما نرى فإن هناك العديد من الافتراضات غير الصحيحة في منطق من يلوم المسيحيين على حصول شفيق على هذا العدد من الأصوات، ناهيك عن أنه حتى لو صحت كل هذه الافتراضات، فإن هناك عدد من المسلمين يفوق عدد المسيحيين قد صوتوا لصالح الفريق شفيق.
و عليه فإن كل من يلوم المسيحيين على هذا الكم من الأصوات الذي حصل عليه شفيق هو مخطئ بكل تأكيد، أو يبحث عن شماعة يعلق عليها هذه النتيجة غير المتوقعة، أو يحاول إشعال فتنة طائفية من نوع جديد في مصر. في الحالة الأولى يمكن تدارك الخطأ إن أدركه المخطئ، و في الحالة الثانية لا بد من علاج لهذا الاضطراب النفسي، و في الحالة الثالثة فلا علاج إلا بتر تلك الشخصيات السرطانية من المجتمع بغية صلاحه.
و الحق أنه من غير المنطقي و لا الصحي أن نلوم فئة بعينها على التقدم غير المتوقع لشفيق، و إنما هذا التقدم لهو نتاج أخطاء عديدة و مختلفة من تيارات متباينة على الساحة السياسية و المجتمعية، فالتيار السياسي الإسلامي--و هو عدداً أقليةمن المسلمين المصريين--كان سبباً برعونته و أنانيته في تخويف العديدين منه، و التيار الليبرالي--و هو أقل عدداً من التيار الإسلامي--شرع يهاجم الإسلاميين بصورة شرسة لا يتقبلها المجتمع المصري بوضعه الحالي، فأخاف العديدين منه أيضاً، و الثوار بالغوا في بعض المواقف في تصعيدهم للسلوك الثوري و أحياناً العنيف بدون مبررات منطقية واضحة، فأخافوا العديدين منهم أيضاً، و البرلمان المنتخب كان أداؤه هزيلاً و اهتم في عدة مواقف بسفاسف الأمور و ترك المهم، و وضح أمام المواطنين أن أملهم خاب في برلمان الثورة الذي لا يملك قراراً يلزم الحكومة، و غير ذلك العديد من المواقف الأخرى التي تركت بعض المواطنين في حيرة لا يعلمون أين الخطأ و أين الصواب، و لم يكن أمامهم في ظل هذه الظروف من الخوف و الحيرة و خيبة الأمل إلا النظام القديم الذي عاشوا في كنفه أذلاء لكن "مستقرين" على حد قول البعض.
كل هذا و لم أعمم القول على مسلمين أو مسيحيين، و لم أعممه على فئة عمرية بعينها، و لا أهل محافظة بعينها أو حي بعينه، و لم أعممه على طبقة اجتماعية معينة، و لا على أي فئة من الفئات بعينها مدعياً أنهم كانوا سبباً في فشل الثورة و عودة النظام القديم. من أراد بعد كل ذلك أن يخص فئة معينة باللوم لحصول الفريق شفيق على هذا العدد من الأصوات فليفعل، لكن لا بد أن يدرك أن الحمار أعلى منه منزلة في مجال الفكر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق