أتوجه بالشكر خاصة لأحد اصدقائي المسلمين لمراجعته معي هذا المقال و إعطائي رأيه القيم فيه، و قد اتفقنا على معظم ما جاء فيه، و لن أذكر اسمه احتراماً لخصوصيته و ليس إنكاراً لفضله.
للإله صفات يجمع عليها أغلب سكان الأرض، و يمكن تلخيص هذه الصفات في الآتي:
- موجود (أو كائن) بذاته، غير مخلوق
- حي بذاته لا يموت
- عاقل ذو إرادة حرة
- خالٍ من الشر (و إنما الشر هو من بُعْد المخلوق عن الإله)
- مطلق الكمال في صفاته، أي أن صفاته جميعاً لا حدود لها
و الصفات الثلاث الأولى يُطلق عليها أحياناً 'الصفات الذاتية للإله'، أي أنه من دونها ينتفي وجود ذات الإله من الأساس، فلا يوجد من البشر من يعبد إلهاً غير موجود أو إلهاً ميتاً أو إلهاً غير عاقل. و الاختلاف بين الآلهة التي عبدها البشر على مر العصور إنما هو في باقي الصفات المنسوبة لله من البشر، و يُطلق عليها أحياناً 'الصفات النسبية'، ليس لأن فيها تباين و تناسب من مكان لآخر أو من حين لآخر، و لكن لأنها تُنسب للآلهة من البشر و ليست لازمة لوجود ذات الإله. فنجد أن بعض الآلهة في الأساطير القديمة نُسب إليها صفات شر و قسوة، و نجد أيضاً أن الكمال المطلق غير لازم لتعريف الإله على مر العصور.
و إذا سلمنا بهذه الصفات كمعطيات ثابتة في الإله ينتج عنها مباشرة أنه لا يمكن وجود أكثر من إله واحد. فكمال الصفات يعني أن الإله عالم بكل شيء و قادر على كل شيء، فإن افترضنا وجود إلهين أو أكثر و حدث أن تعارضت مشيئة أحدهما مع الآخر، فليس هناك احتمال رابع للثلاثة الآتية:
- أن يقهر أحدهما الآخر و ينفذ ما شاء، و في هذه الحالة تنتفي صفة الإله عن المقهور، إذ لم يعد قادراً قدرة مطلقة.
- ألا يقدر أحدهما على قهر الآخر و يظل كلاهما في صراع مع الآخر، و في هذه الحالة تنتفي صفة الألوهية عن كليهما، إذ لم يصيرا مطلقي القدرة.
- أن يقنع أحدهما الآخر برأيه و مشيئته حتى يتفقا في الإرادة، و هذا أيضاً ينفي صفة الألوهية عن المقتنع، إذ رأى أن هناك رأياً أفضل من رأيه و مشيئة أصوب من مشيئته، فانتفى عنه كمال العلم و كمال الحكمة.
أما إن وجد إلهان أو أكثر لا يمكن أن يختلفا في أي شيء على الإطلاق فهما (أو هم) في الحقيقة إله واحد، إذ أن التعدد ينتج فقط عن الاختلاف و لا شيء غيره.
و في أساطير القدماء نجد آلهة متعددة لها بعض الصفات المذكورة سابقاً و ليس لها البعض الآخر، و لعل من أهم ما ينقص تلك الآلهة الكمال المطلق في الصفات، فكل إله مسئول عن جانب معين من جوانب الحياة دون غيره، و قد تختلف آراء و مشيئات الآلهة فيتصارعون و يغلب أحدهم الآخر، فيبدو كأنه لا يميزهم عن البشر سوى مجموعة من الصفات الخارقة التي لا يمتلكها الإنسان، و لو امتلكها لامتلك قوة من قوى الآلهة، و مثال على ذلك في أساطير اليونان كيفية معرفة الإنسان للنار و قد كانت سراً من أسرار الآلهة فسُِرقت و أُعْطِيَت للإنسان. و تلك النظرة للإله تجعل منه شبه الإنسان إلا أنه في مرتبة أعلى، و تجعل الإنسان قادراً أن يتحول إلى إله إذا ما اكتسب قدرات خارقة كالآلهة.
و الآلهة في تلك الأساطير تظهر للناس في شكل بشري، و تتزاوج من البشر و ينجبون أبناءً لهؤلاء الآلهة، و التزاوج يكون تزاوجاً جسدياً فيه جماع الذكر مع الأنثى، و عندما يظهر الإله في شكل بشري فإنه يكون محدوداً بهذا الشكل البشري و لا يتواجد في مكان آخر غير المكان الذي ظهر فيه، و في الكثير من الأحيان كان الناس يعتقدون أن الآلهة ليسوا موجودين في كل مكان، و ليسوا كاملي العلم بخفايا الأمور.
و طبقاً لهذا النموذج للإله، فإنه ليس من مانع أن يكون هناك أكثر من واحد منهم، فإذا سلمنا بعدم لزوم صفة الكمال المطلق للألوهية، فإن الأدلة العقلانية السابق ذكرها على وجوب وحدانية الإله تنتفي هي الأخرى و لا يصير هناك مانع من تعدد الآلهة.
غير أن ما أرتكن إليه في قناعتي بوجود إله من الأساس يستوجب أيضاً أن يكون هذا الإله واحداً. و ما أرتكن إليه هو المفهوم الحسابي للانهاية. في علم الرياضيات، اللانهاية (Infinity) ليست رقماً و لا تُعتبر من الأرقام الحقيقية (Real numbers) و لا حتى الأرقام التخيلية (Imaginary numbers)، و لكنها تُعبِّر عن مفهوم معين و هو أن الأرقام لا نهاية لها، سواء كانت الأرقام الموجبة أم الأرقام السالبة. و على ذلك فإن اللانهاية حسابياً لا تساوي اللانهاية (مثبت حسابياً لمن يريد الرجوع لمراجع الرياضيات أو قراءة هذا الإثبات المبدئي) و عليه فإن طرح اللانهاية من اللانهاية لا يساوي صفراً، و إنما هو كمية غير محددة (Indeterminate value) قد تساوي أي رقم و لكنها لا تساوي اللانهاية إذ أن اللانهاية ليست رقماً. و ناتج جمع اللانهاية إلى اللانهاية يساوي لانهاية. و ناتج طرح أي رقم من اللانهاية يساوي لانهاية. و حاصل ضرب أي رقم عدا الصفر في اللانهاية هو لانهاية، و قسمة اللانهاية على أي رقم عدا الصفر تساوي لانهاية. و قسمة اللانهاية على اللانهاية هو كمية غير محددة. و حاصل ضرب الصفر في اللانهاية هو كمية غير محددة. و ناتج قسمة أي رقم أو اللانهاية على الصفر هو كمية غير معرفة (Undefined value)، أي لا معنى لها على الإطلاق، و إن كان البعض يعتبر الناتج لانهاية، غير أن هذا غير دقيق من وجهة النظر الحسابية. و على من يريد أن يتطرق لتفاصيل حسابية أكثر عما سبق ذكره أن يقرأ هذه الإثباتات.
و لأن اللانهاية ليست رقماً حقيقياً، فإنه لا يمكن لحدث حقيقي (كواقعنا الحالي) أن يتواجد فعلياً عند اللانهاية. و هذا هو الأساس الذي أعتمد عليه عقلياً في يقيني بوجود الله.
و في تفكيري في وجود الله من عدمه، فإنني لا أهمل نظريات العلم الحديث و لا أهمل المنطق، لأنه إذا كان الله خلق لي العقل و إذا كان الله نفسه عاقل، فإن الله خلق لي العقل لأستخدمه و ليس لأتجاهله و ألغيه، و إذا كان العلم الحديث هو قمة نتاج العقل و المنطق، فإن تجاهل العلم الحديث لإثبات وجود الله يتجاهل وظيفة العقل و أهميته، و بالتالي يتجاهل أن للعقل غرضاً خلق من أجله، و بذلك يطعن في عقل الله الخالق الذي يريد إثبات وجوده، فيصير إثبات وجود الله بتجاهل العلم ضرباً من العبث و متناقضة منطقية. و لا أقول أن إثبات وجود الله يخضع للتجارب المعملية و يضع الله نفسه تحت المجهر، إذ أن في افتراض لانهائية الله ما يتعارض مع ذلك، و لكنني أقول إن ذلك الإثبات لا يمكن أن يتعارض مع العلم و المنطق.
فإذا كان الكون قد نشأ و تطور من المادة الأولية (البلازما لمن يريد الرجوع لمراجع الفيزياء) و حدثت عدة أحداث متوالية أدت إلى تكوين الذرات (Atoms) ثم المركبات (Compounds) المختلفة التي تكونت منها الأجرام السماوية، ثم تواجدت صور الحياة البدائية كالبكتيريا و تطورت إلى صور أكثر تعقيداً وصولاً للجنس البشري في النهاية طبقاً لنظرية النشوء و التطور، فإن عدد تلك الأحداث لا بد و أن يكون عدداً حقيقياً محدوداً مهما كبرت قيمته، إذ لا يمكن أن يكون العدد لا نهائياً و إلا صار واقعنا عند اللانهاية و هو غير مقبول. و لا بد أيضاً أن يكون الزمن الذي استغرقه كل من هذه الأحداث و الزمن المار بين الحدث و الآخر زمناً محدوداً مهما طال، و إلا كان واقعنا أيضاً عند اللانهاية. و بناء عليه، فإن الزمن الكلي منذ الحدث الأول و حتى زمننا هذا هو زمن محدود و لا يمكن أن يكون الكون موجوداً منذ الأزل (أي اللانهاية السالبة).
و عندما ذَكَرتُ هذه الأطروحة لأحد أصدقائي من الملحدين، تعلل بأن الزمن كما نعرفه ليس ثابتاً في مختلف الظروف الفيزيائية طبقاً للنظرية النسبية لآينشتاين، و الواقع أن هذا صحيح تماماً غير أنه لا ينفي هذه الأطروحة و لا يناقضها، فإطار المرجعية (Reference frame) في قياس الزمن طبقاً للنظرية النسبية هو حالة السكون التام أو الإطار الساكن (Stationary frame)، و يتقلص الزمن بزيادة السرعة حتى يتوقف تماماً عند سرعة الضوء التي هي ثابت كوني، مما يعني أن الثانية الزمنية لا يمكن أن تطول عما هو متعارف عليه علمياً، و لكنها يمكن أن تقصر حتى تتلاشى عند التحرك بسرعة الضوء، و لا يمكن نظرياً أن يعود الزمن للخلف (أي تكون قيمته سالبة) نتيجة متناقضة منطقية شهيرة، و عليه فإن أي مقدار محدد من الزمن يمكن أن يقل تحت ظروف فيزيائية مختلفة حتى يتلاشى، و لكنه لا يمكن أبداً أن يزداد حتى اللانهاية تحت أي ظروف معروفة.
فإن كان اعتمادنا الوحيد في إثبات أن للكون بداية من عدمه يرتكز على العلم و العلم وحده، فيجب أن نعترف أنه لا بد للكون من بداية محددة، و إن رفضنا تصديق ذلك بحجة أن العلم قد لا يعرف كل شيء و أن الوقت قد يكتسب قيمة سالبة بخلاف ما يقوله العلم، فقد رفضنا الركيزة الأساسية للجدال و هي العلم، و لصار أي من كلامنا و افتراضاتنا جائزاً على حد سواء، و لصار الجدل بأن الكون ليس له بداية جدلاً عقيماً يفتقر إلى المنطق.
و الواقع أن معظم--إن لم يكن كل--علماء الفيزياء في الوقت الحاضر يقِرُّون بأن للكون بداية هي 'الانفجار العظيم' (Big bang) الذي تكونت عنه المجرات الكونية التي نراها تتحرك متباعدة عن بعضها البعض في الكون المعروف.
و الإقرار بذلك الواقع يعود بنا إلى مفهوم اللانهاية مجدداً، فإن كانت مادة الكون نفسها (البلازما) موجودة منذ الأزل (اللانهاية السالبة) و إن كان الزمن بدأ عند الانفجار العظيم، و بفرض أن الزمن قبل هذا الحدث كان صفراً (أي متوقفاً أو غير موجود) لأن كل الجزيئات كانت تتحرك بسرعة الضوء، فيمكن أن تكون أحداثاً لانهائية قد حدثت في تلك الحالة دون مرور قدر من الزمن عليها بما لا يتعارض مع واقعنا الحالي و لا يفرض ذلك على واقعنا أن يكون عند اللانهاية. الحقيقة أن هذا افتراض خاطئ. ذكرت من قبل أن حاصل ضرب الصفر في اللانهاية يمكن أن يكون أي رقم حقيقي على الإطلاق ما عدا اللانهاية، فهي ليست رقماً حقيقياً. فإن كانت أحداثاً لانهائية حدثت في حالة انعدام الزمن التي ربما كانت عليها المادة الأولية، فمن الممكن أن يكون الزمن المنقضي بين تواجد مادة الكون الأولى و بين الانفجار العظيم أي قدر حقيقي من الزمن بمقاييسنا المعروفة و لا يمكن أن تكون مادة الكون متواجدة منذ الأزل (أي عند اللانهاية السالبة).
و يقول البعض إن الزمن لم يكن موجوداً من الأصل قبل الانفجار العظيم و الحديث عن زمن و لو حتى بقيمة صفرية لا معنى له. و هذا يعود بنا للتعريف الأساسي للزمن و هو أن الزمن هو الإطار التي تتابع فيه الأحداث أو تتغير الحالات من حالة لأخرى. أي أنه من وجهة نظر فلسفة العلم فإن الزمن يكتسب معناه من التغير، و إذا انعدم التغير تماماً انعدم معنى الزمن. و الواقع أن الكون كما نعرفه في حالة تغير مستمر، إذ تدور الإلكترونات حول نواة الذرة في كل مكان توجد به المادة. و فكرة أن الزمن لم يكن موجوداً و لا له معنى قبل الانفجار العظيم تعني ضمنياً أنه لم يسبق هذا الانفجار أي حدث آخر أياً كان، مما ينفي فكرة السبب و النتيجة و يجعل من الانفجار العظيم نتيجة بلا سبب و هو ما لا نعرف له مثال في الكون. و عليه فإن افتراض عدم وجود الزمن بأي معنى قبل الانفجار العظيم يتضمن فرضية ليس لها أساس في الكون و هو وجود نتيجة بلا سبب، و هذا في حد ذاته يتعارض في رأيي مع العلم و المنطق.
و يفترض البعض الآخر أن الحالة التي كانت عليها البلازما قبل الانفجار العظيم تحكمها قوانين فيزيائية تختلف عما نعرفه في الكون الحالي، و هذا يعارض الفرضية الأساسية التي يقوم عليها علم الفيزياء ألا و هي أن القوانين الحاكمة للكون واحدة في كل مكان فيه، و إن كان ذلك الافتراض يعني أنه ربما كانت هناك قوانين فيزيائية أشمل و أعم متعلقة بحالة البلازما قبل الانفجار العظيم (كما هو الحال مع الأجسام المتحركة بسرعة تقترب من سرعة الضوء مقارنة بالأجسام المتحركة بسرعات بطيئة نسبياً)، فذلك لا يعدو كونه مجرد افتراض ينقصه تماسك النظرية و الإثبات الرياضي و التجربة العملية، و الأخيرة هي الأهم في علم الفيزياء و من دونها تظل النظرية حبراً على ورق مشكوكاً في صحتها. و في تلك الحالة، فأنا أفضل الاحتكام لما يعيه العقل من منطق عن الافتراض الذي يفتقر لأي دعم منطقي أو عملي.
فإذا كان للكون بداية و إذا كانت مادة الكون غير موجودة منذ الأزل، فمن الذي أوجد الكون و مادته؟ عندي أنا يقين شخصي أن هناك إلهاً خلق الكون و مادته، و لا يتعارض يقيني هذا مع إيماني بالعلم الحديث و لا مع عقلي الذي أثق فيه و أحترمه. و يمكن للقارئ أن يفترض أن هناك قوة غير معروفة أنشأت مادة الكون، و لكن هذا يعود بنا إلى نفس السؤال السابق و هو اللانهاية في الزمن. الافتراض الذي ينهي هذه الحلقة المفرغة من الجدل هو افتراض وجود قوة عليا لانهائية لا مثيل لها. و لأننا نعتبر اللانهاية فكرة و مفهوماً و ليس رقماً حقيقياً يمكن قياسه كباقي الأرقام، فإن فكرة الإله اللانهائي تختلف عن أي شيء محدود نرصده بحواسنا و ندرك حدوده. و للقارئ أيضاً أن يفترض بخلاف ذلك، و لكن افتراض وجود إله هو الأقرب للعقل و المنطق من وجهة نظري، و إن افترض القارئ عدم وجود ما يسمى إلهاً و أن هناك قوة عليا لانهائية و غير معروفة هي التي أوجدت الكون، فإنني حينئذ أتفق مع القارئ و أسمي تلك القوة الله!
فالله إذاً موجود.
ندرك أن هناك إلهاً (أو آلهة) خلق (أو خلقوا) الكون و هو (أو هم) موجود (أو موجودون) منذ الأزل له (أو لهم) وجود في نفسه (أو أنفسهم). فإذا فرضنا وجود أكثر من إله، فمن منهم قرر أن يخلق الكون؟ لا بد أن أحدهم أو بعضهم رأى (منفصلاً عن الآخرين) أن يبدأ خلقة الكون، و إن لم يكن هناك اختلاف بينهم على الإطلاق فهم واحد كما ذكرت سابقاً (التعدد ينتج فقط من الاختلاف). فإن كان أحد هؤلاء الآلهة قرر أن ينفصل في الإرادة و الفعل عن الآخرين منذ زمن محدود (عمر الكون) و إن كان طويلاً، فمعنى ذلك أن هؤلاء الآلهة كانوا جميعاً واحداً (إذ لا فرق بينهم في أي شيء) حتى بداية خلقة الكون، فالتعدد لا ينتج مطلقاً إلا عن الاختلاف، و إنني لأعجب كيف ينقسم إله إلى عدة آلهة من ذاته، و الأقرب للمنطق ألا يكون هناك آلهة عدة و أن يكون الخالق واحداً أزلياً هو الذي قرر في زمان ما أن يبدأ خلقة الكون لسبب لا يعلمه إلا هو.
فالله إذاً واحد.
و ذلك الإله الذي خلق هذا الكون الشاسع بكل ما فيه مما لا نستطيع إدراكه حتى الآن، و وضع القوانين التي تحكم الكون و التي لا نزال نحاول سبر أغوارها، هو إله عاقل. إذا كنا نفترض في أنفسنا العقل لأننا أدركنا الكثير من أسرار الكون على مر القرون، فكم بالحري الذي كوَّن هذا النظام بالغ التعقيد.
فالله إذاً عاقل.
و يقول آخرون أنه ربما كانت هناك قوة لانهائية غير معروفة أوجدت الكون، إلا أن هذه القوة لم تعد موجودة بعد، أو كما يقولون باختصار "الله ميت" (God is dead) مرددين قول الفيلسوف الألماني الملحد نيتشه الذي قصد بقوله أصلاً معنى مختلفاً، و أن هذا الافتراض لا يتعارض منطقياً مع أزلية هذه القوة. و الحق أن هذا الافتراض يمكن أن يكون صحيحاً تماماً من وجهة النظر المنطقية و الحسابية، و تبقى حقيقة أساسية و هي أن الدليل على الحياة هو الفعل الهادف أو النمو أو التكاثر، و حيث أن الله واحد لانهائي، فهو لا ينمو و لا يتكاثر، و ليس لنا دليل على أن الله حي سوى الفعل الهادف، و هذا لا أستطيع إثباته بالمنطق المجرد، إذ أن الإحساس بفعل الله في الحياة يختلف من إنسان لآخر، فيشعر به البعض كل لحظة و لا يشعر به البعض الآخر مطلقاً. و ربما كان هذا هو الأساس في نيل الثواب عن الإيمان بالله. لا يمكن افتراض أن استمرار الحياة كما نعرفها دليل في حد ذاته على أن الله حي، إذ أن هذا مردود بأن قوانين الطبيعة هي المسئولة عن ذلك و لا تحتاج لقوة خفية لتبقيها على ما هي عليه. في رأيي أن من أراد البحث عن أدلة تثبت أن الله حي و أن له فعلاً هادفاً في الحياة سيصل في النهاية لمثل هذه الأدلة كما وَصَلتُ، و لكن الأدلة التي وصلت إليها لا يمكن تعميمها لإقناع الجميع، و لذلك أحتفظ بها لنفسي تجنباً للدخول في مناقشات لا طائل منها و تجنباً للدخول في خصوصيات إيمان معين دون غيره.
و لهذا فأنا أؤمن بوجود إله واحد خالق للكون و ما فيه، موجود و حي بذاته، عاقل، خالٍ من الشر، مطلق الكمال في صفاته، و لي حديث آخر عن صفات الله و كمالها المطلق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق