حيرة كبيرة تلك التي وقع فيها العديد من المصريين بوصول مرشح الإخوان و مرشح العسكري أو الفلول لانتخابات الإعادة، و لو كان معهما ثالث لكانت تلك الحيرة حسمت بشكل نهائي باختيار الثالث، ففي تقديري أن أغلب المصريين لا يريدون إعادة النظام القديم و لا يريدون سيطرة الإخوان المسلمين على سلطات الدولة. و الآن علينا أن نختار أحلى الأمَرَّين و الاختيار صعب. أحاول أن أساعد نفسي و أساعد الآخرين بالتفكير في مزايا و عيوب كل منهما.
عيوب انتخاب المرسي:
- تداول السلطة سيكون أمراً مشكوكاً فيه. و ذلك لأن الإخوان سيسيطرون على السلطتين التشريعية (مجلسي الشعب و الشورى) و التنفيذية (الرئاسة) و هذا أسوأ من النظام القديم، فالنظام القديم كان قمعياً يولد الغضب في النفوس مما نتج عنه الثورة، أما نظام الإخوان فسيكون فاشياً دينياً يستخدم الدين لإخضاع البسطاء من المواطنين (و ما أكثرهم) لهم طواعية، و بالتالي فإنني لا أتوقع أن تقوم معارضة ذات معنى للإخوان المسلمين. فضلاً عن أن المرسي مرشح عن تنظيم الإخوان بالكامل و ليس فقط بفكر الإخوان، و مشروعه هو مشروع التنظيم الذي كان مشروع خيرت الشاطر من قبله بلا زيادة أو نقصان، و فترة تنفيذ المشروع المقترحة تزيد عن فترتين رئاسيتين (٨ سنوات) مما يعني أن الإخوان ينوون البقاء في السلطة، و ليس عندي أدنى شك من أن جماعة الإخوان المسلمين عندها الكثير من الكوادر التي يمكن تلميعها و ترشيحها للرئاسة إن أثبت المرسي عدم جدارته بالمنصب، و مشروع النهضة يمكن أن يمتد لفترات رئاسية عديدة بحجج أو أسباب مختلفة، و يكون "مسمار جحا" الذي يدعون من أجله لزوم بقائهم في السلطة. أضف لذلك تصريحاتهم القديمة أنهم لو وصلوا للسلطة لن يتركوها لغيرهم، و قول صفوت حجازي حديثاً "أيوه عاوزين نكوِّش على كل حاجة" مع استئثارهم بلجان مجلس الشعب و محاولة استئثارهم بلجنة الدستور.
- ولاء الرئيس سيكون للجماعة قبل الوطن. المرسي قد بايع مرشد الإخوان المسلمين على الولاء و السمع و الطاعة، و انفصال المرسي عن الجماعة شكلاً لا ينقض بيعته مع المرشد، فالبيعة ليست ورقة مكتوبة و إنما هي عهد و ميثاق شرف، و عليه فإننا يجب أن نتوقع أن يحكم المرشد من خلف الستار، و خطورة ذلك أن للجماعة حسابات لا تتفق بالضرورة مع المصلحة العامة للوطن و إنما مع مصلحة الجماعة بالدرجة الأولى. و لنذكر جميعاً قول المرشد السابق "طز في مصر و اللي في مصر".
- الدستور الإخواني. الدستور لم يكتب بعد، فإذا كان الإخوان قد حاولوا الاستئثار بلجنة صياغة الدستور و هم ليسوا أغلبية مطلقة في البرلمان، فأنا أتوقع أن يسيطروا على هذه اللجنة تماماً إن آلت إليهم الرئاسة أيضاً، و قد يُكتب دستور "إخواني"--إن جاز التعبير--يسهل لهم البقاء في السلطة. و لن أراهن أبداً على الشعب المصري أن يعي خبايا الدستور و تفاصيله فيرفضه في الاستفتاء، فقدرة الإخوان على الحشد و الترويج لأنفسهم باسم الدين مجتمعة مع الفقر و الجهل المنتشر في الشعب المصري و حب الشعب للدين سيجعل قبول هذا الدستور أمراً مفروغاً منه.
- بالنسبة للأقباط خاصة و غير المسلمين السنيين عامة، تطبيق الشريعة الإسلامية بمفهومها المنتشر حالياً في مصر لا يعني إلا إهدار المواطنة و انتقاص الحقوق. ليس السماح للأقباط بالاحتكام إلى ما في كتابهم هو المواطنة. الشهادة أمام المحاكم و الدية و تغليب دين على الآخر و عدة أمور في الأحوال المدنية كلها تعامل القبطي كمواطن أدنى من المسلم.
- بالنسبة للمرأة، فإن وضعها في المشروع الإخواني و التصريحات الإخوانية غير مطمئن. الدعوة إلى خفض السن الأدنى للزواج و إلغاء قانون التحرش الجنسي و تقنين ختان البنات كلها مؤشرات غير طيبة تعود بالمرأة المصرية عقوداً عديدة للوراء.
عيوب انتخاب شفيق:
- بداية حكم قمعي جديد. الفريق شفيق شخصية عسكرية صارمة مملوءة بالنرجسية، و هو كما اتضح من أحاديثه لا يقبل المعارضة و لا يقبل النقاش، و أسلوبه في هذا أسلوب عنيف ينبئ بأن وصوله للرئاسة قد يكون بداية فترة قمعية أسوأ و أشد ضراوة من نظام مبارك.
- إعادة النظام القديم. شفيق حتماً ليس مع الثورة و لا مع التغيير، و هو الذي أنكر الثورة في بدايتها، و هو الذي حدثت في عهده كرئيس وزراء موقعة الجمل التي راح ضحيتها العديدون و أصيب آخرون بعاهات مستديمة، و ذلك بعد أن كان قد وعد بحماية الثوار في التحرير، و هو الذي قال "للأسف الثورة نجحت"، و بالتالي هو يمثل النظام القديم شكلاً و موضوعاً و وصوله للرئاسة الآن يمثل وضعاً أسوأ من ترك مبارك في السلطة حتى تسليمها لآخر عن طريق الانتخاب.
- شخصية غير ملائمة للمنصب. لا يجيد شفيق الحديث و أفكاره غير مرتبة، و هو قائل الكلمة الشهيرة "إيه...!" و هو الذي في حواراته لا ينتبه للكلام و تتوه منه الأفكار كما حدث مع منى الشاذلي في حوار "مبررة و غير مبررة" و هو الذي يُسأل سؤالاً فيرد بإجابة لا علاقة لها بالسؤال. كيف يمكن لهذا الشخص أن يكون رئيس دولة؟
- ذمة مالية مشكوك فيها. هناك علامات استفهام و شكوك كثيرة حول أمانة الفريق شفيق، و ربما كان مختلساً للأموال العامة كرئيس لمطار القاهرة، و هذه تهمة مخلة بالشرف و لا يصح أن يكون رئيساً من لم يتم إبراء ذمته من مثل هذه التهم.
- حدوث المزيد من الاضطرابات. هناك قطاع ليس بقليل من الشعب يرفض شفيق رئيساً، و أخشى أن يُستثار ذلك القطاع بوصول شفيق للرئاسة و تحدث مواجهات تنتهي بالمزيد من الضحايا و المزيد من عدم الاستقرار. و سيُقابل الرفض العنيف بعنف أشد (في رأيي) لأن المعترضين حينذاك سيكونون ضد الشرعية الانتخابية التي جاء بها شفيق.
مزايا انتخاب المرسي:
- الضمان شبه الأكيد للقضاء على بقايا النظام القديم، ليس بالضرورة بمحاكمتهم و إدانتهم و لكن بخنقهم و التضييق عليهم حتى يصبحون غير مؤثرين في الحياة السياسية.
- ربما يتلو فوز الإخوان بالسلطتين التشريعية و التنفيذية مرحلة هدوء في البلاد لغياب المعارضة القوية و وجود نفس الفكر في منهج السلطتين، و مصر تحتاج حتماً لفترة من الهدوء للبناء.
- ربما، و أكرر ربما، هدأ الإخوان المسلمون بسيطرتهم على السلطة و صاروا أكثر وضوحاً مع الشعب و بدأوا كفصيل جديد على الساحة في استغلال الفرصة المتاحة لهم لإثبات جدارتهم في القدرة على النهوض بالبلاد و ابتعدوا عن جو الصفقات السرية و الغموض.
مزايا انتخاب شفيق:
- منع استئثار الإخوان المسلمين بسلطات مصر، مما يعطي فرصة أكبر بكثير لتداول السلطة بعد ٤ سنوات.
- لا بد أن جماعة الإخوان المسلمين ستجبر في هذه الحالة على توفيق أوضاعها القانونية في الدولة بدلاً من العمل في الخفاء، و هذا مطلب الكثيرين. و ربما ظهرت حدود أكثر وضوحاً بين الجماعة كنشاط إسلامي دعوي و بين الحزب كنشاط سياسي ذي صبغة إسلامية، و هو أيضاً مطلب الكثيرين.
- ستكون هناك حتماً فرصة كبيرة لكتابة دستور متوازن يضمن مدنية الدولة و بقاء مرجعيتها الإسلامية، و ذلك بوجود سلطتين في الدولة على طرفي نقيض.
- رقابة السلطات في الدولة على بعضها البعض ستكون رقابة صارمة و ذلك لتعارض اتجاه السلطة التشريعية مع التنفيذية، و هذه ميزة تجعل كلاً منهما يحاول ألا يحيد عن الصراط المستقيم.
و يجب أن ندرك أن المرحلة القادمة ستكون فارقة في مستقبل مصر، و التفكير من منطلق الثأر أو العند الآن من شأنه أن ينتج فكراً غير متزن. مصلحة مصر هي الأولى. و الثأر للشهداء سيكون ببناء مصر و ضمان الحرية للجميع، و العند مع الإخوان المسلمين أو "الفلول" ليس مجاله الآن.
و الخلاصة أن الاختيارين كلاهما مر، و ليست هناك ضمانات من أي نوع تجعلنا نثق في أحد المرشحين دوناً ع الآخر، و على كل منا أن يتبع ما يمليه عليه ضميره و يظنه مصلحة لمصر أولاً، و قد كنت قد قررت أن أقاطع انتخابات الرئاسة لغياب دستور يحدد صلاحيات الرئيس، و لكنني الآن أعيد النظر في هذا القرار لأن ذلك الدستور الذي أتحدث عنه قد يتأثر باختيار الرئيس قبل أن يحدد نظام الحكم في الدولة و صلاحيات سلطاتها.
الحل هو أن نعقد صفقة مع الإخوان الآن ويتم إعلانها تشمل لجنة وضع الدستور وضمانات للحريات يجب أن يشملها الدستور. هذه فرصتنا الذهبية خاصة وأن نتيجة الإخوان تجعل فوزهم أمر غير مؤكد. إما مقاطعة الانتخابات أو إعطاء ضمانات تشمل لجنة الدستور.
ردحذفكالمستجير من الرمضاء بالنار .. السؤال مين الرمضاء و مين النار !!
ردحذف