الجمعة، 26 يوليو 2013

يا سيسي أمرك أم يا سيسي آخرك؟

في الخطاب الأخير للفريق أول عبد الفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية، طلب من المصريين النزول للشوارع و الميادين لإعطائه تفويضاً بمحاربة الإرهاب و الحفاظ على الأمن الوطني، و تباينت ردود الأفعال من مؤيد له إلى معارض، و تباينت التوقعات من إبادة جماعية لأعضاء تيارات الإسلام السياسي إلى تطهير سيناء تحديداً من بؤر الإرهاب التي رأينا أفعالها البشعة في فترة حكم مرسي و بالأخص فيما تلا عزله. و الحقيقة أنني أرى منطقاً مقبولاً من المتحمسين المؤيدين و أيضاً من المتخوفين الرافضين.

المؤيدون للفريق السيسي يرون أن طلبه للتأييد الشعبي معقول و مشروع لسببين رئيسيين، أولهما أن العديد من الدول الأجنبية ما زال رأيها يتأرجح بين قبول الوضع الحالي في مصر كوضع مشروع و بين اعتباره انقلاباً عسكرياً، و عواقب اعتباره انقلاباً عسكرياً ليست بالهينة، فإن تصرف الفريق السيسي بما قد يخالف نص معاهدة السلام مع إسرائيل أو إن تدخل الجيش بشكل مسلح لاستعادة النظام في البلاد، فإن هذا يرجح كفة الانقلاب العسكري ما لم يكن هناك تأييد شعبي واضح و صريح، و ثانيهما سبب قانوني دستوري أراه أقل وزناً بكثير من السبب الأول، فالقوات المسلحة لا تقوم بعمليات مسلحة على أرض الوطن إلا بعد موافقة مجلس الشعب، و بما أن مجلس الشعب غير موجود، فالبديل الآخر هو أخذ رأي الشعب مباشرة، و من ثم كان طلب الفريق السيسي.

أما بالنسبة للسبب الأول، فيجب على الجميع أن يدرك أن البلاد التي تعد تحت حكم نظام عسكري منقلب على الشرعية تفقد العلاقات الديبلوماسية مع العديد من الدول الأجنبية، و قد تقع تحت عقوبات دولية اقتصادية أيضاً، و غني عن الذكر أن موقف مصر الاقتصادي الحالي لا يحتمل عقوبات اقتصادية، و انقطاع العلاقات مع الدول الأجنبية سيؤثر حتماً بالسلب على السياحة التي هي من أهم مصادر الدخل القومي و التي قد عانت الكثير في العامين الماضيين. و لا أظن أن المواطن المصري العادي يريد لهذا أن يحدث أو يحتمل معاناة ما قد ينتج عنه. و أما ما أعنيه بمخالفة معاهدة السلام فهو تحريك مدرعات و مدفعية ثقيلة إلى المنطقة الوسطى أو الحدودية من سيناء لمكافحة بؤر الإرهاب هناك، و هو ما نصت معاهدة السلام صراحة على عدم أحقية مصر فيه دون الرجوع لدولة إسرائيل للموافقة.

و بالنسبة للسبب الثاني، فلا أراه مقنعاً لأن الدستور معطل و الوضع الحالي وضع استثنائي لا يستقيم فيه تفسير الأحداث طبقاً للدستور و القانون، فلو كان الدستور ما زال سارياً فإن كل ما فعله الفريق أول السيسي مخالف للدستور، ما لم يقدم البرهان الواضح على اكتشاف القوات المسلحة لخطر جسيم يتهدد الوطن، و هو ما لم نره حتى اليوم.

و المعارضون لطلب السيسي من المواطنين بالنزول لتفويضه يرون أن السيسي ليس من حقه--حتى في ظل الظروف الحالية--أن يطلب تفويضاً من الشعب، لأن لمصر رئيساً يمتلك بصفة مؤقتة سلطة إصدار إعلانات دستورية و أيضاً سلطة التشريع، و من ثم لا يلزم للسيسي تفويض من الشعب و يكفيه الائتمار بأمر الرئيس ليؤدي واجبه، و لو كان من حق أحد أن يطلب مثل هذا التفويض فإنه رئيس الجمهورية، كما يرون أن هذا التفويض المطلوب كلمة فضفاضة قد تعني التغاضي عن مذابح ضد تيارات الإسلام السياسي قد تقوم بها القوات المسلحة و النظام بصفة عامة.

فبالنسبة لصدور الطلب من شخص الفريق السيسي فأنا أوافقهم في رأيهم، و إن كان المؤيدون للسيسي يرون هذا تصرفاً عادياً بحكم كون السيسي مستشاراً للرئيس لشئون الأمن القومي، و لكنه حتى بصفته تلك لا يملك أن يخاطب الشعب بصفة عامة، مما يجعل الكثيرين يشكون في أن السلطة الحقيقية في يد الفريق السيسي و ليس المستشار عدلي منصور.

و بالنسبة للمعنى الفضفاض لكلمة "تفويض" فأنا أيضاً أراهم على حق، و حتى إن كانت نوايا الفريق السيسي خالصة لوجه الله و الوطن، فإن غياب التفاصيل يفتح أبواباً لانتهاكات جسيمة باسم الأمن القومي و الوطنية كما كان يحدث في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ثم أن الجيش لا يحتاج لتفويض من الشعب ليحمي الوطن، فهذه هي وظيفته الأساسية التي وجد من أجلها.

و بناء على ما تقدم، فإنني أرى السبب المقبول الوحيد لطلب السيسي إضفاء الشرعية على أي عمليات قد تقوم بها القوات المسلحة ضد الإرهاب و تجنيب مصر التعرض لعقوبات دولية باعتبارها دولة تحت حكم انقلاب عسكري ضد إرادة الشعب.

و لمؤيدي السيسي دوافعهم، و لمعارضيه دوافعهم أيضاً، و كلا الطرفين له منطق يعتد به. مؤيدو السيسي تعبوا من التخبط و الانهيار المستمر الذي رأوه تحت حكم الإخوان، و زادهم ضيقاً بالإخوان و مؤيديهم ما رأوه منهم بعد عزل مرسي من تهديدات صريحة بالعنف تطورت إلى أحداث عنف عديدة في أماكن متفرقة راح ضحيتها العديد من الأبرياء، فهؤلاء المؤيدون أظن أن أغلبهم من الطبقة المتوسطة و ما حولها، الذين عانوا الأمرين من غلاء الأسعار و نقص السلع و غياب الأمن، و في ظل إحساسهم بالتهديد المستمر--سواء التهديد غير المباشر الناتج عن الظروف الاقتصادية أو المباشر الناتج عن أحداث العنف--فإنهم على استعداد للتغاضي عن الكثير من المبادئ و الأفعال في سبيل أن يتخلصوا من هذا التهديد المستمر، و لا أستطيع أو أملك أن ألومهم على طريقة تفكيرهم، فأنا أعلم تماماً أن غريزة حب البقاء تتغلب على المبادئ الرفيعة عند الأغلب الأعم من البشر، كما أنني لا أعيش في مصر و أعاني ما يعانونه من تهديد كي أدعي حقي في انتقادهم.

أما معارضو السيسي فهم في ظني مزيج غير متجانس من عدة فئات، فمنهم بالطبع الإخوان المسلمون و السلفيون و أغلب تيارات الإسلام السياسي، و منهم من هم "ليسوا إخواناً و إنما يحترمونهم"، و منهم من يعيشون خارج مصر و يقتصر تأييدهم أو معارضتهم على صفحات الإنترنت في كل الأحوال تقريباً و لا علاقة لهم بواقع معيشة الإنسان المصري المتوسط، و منهم الثوريون الذين كانوا ضد مبارك و ضد المجلس العسكري ثم رشحوا مرسياً للرئاسة لأنهم كانوا ضد شفيق ثم صاروا ضد مرسي و هم الآن ضد السيسي و ربما سيظلون ضد أي من كان في السلطة، و منهم ذوي المبادئ المثالية الذين يرفضون التنازل عن مبادئهم في سبيل الحلول العملية الأكثر تطبيقاً، فهم يرفضون ما فعله الإخوان و أيضاً يرفضون ما يمكن أن يحدث للإخوان من قمع و يرفضون العنف من أي طرف، و هو ما يستحيل تحقيقه على أرض الواقع في ظل الظروف الحالية. فدوافع معارضي السيسي متباينة مختلفة و لا تجمعهم المبررات و لا المنطق و لا الدوافع و إنما الهدف و هو معارضة ما حدث في مصر من عزل مرسي و معارضة السيسي في طلبه الأخير. حتى أعضاء تيارات الإسلام السياسي تختلف دوافعهم، فمنهم من يؤمن تماماً أن ما يحدث هو حرب على الإسلام، و منهم من ولاؤه للجماعة يفوق أي ولاء آخر، و منهم من يظن أنه يجاهد الطاغوت في سبيل الله إعلاء لكلمة الحق، و منهم من يظن أن المشروع الإسلامي لا بد أن يتحقق، و منهم من يخشى العودة للسجون و المعتقلات، و ربما منهم من يظن أن مرسي هو الأصلح لقيادة البلاد. و مهما كان اختلافك معهم أو رؤيتك لوجهة نظرهم أو قناعاتهم على أنها غباء مطلق، فهذا هو ما يقتنعون به و هذا هو ما يحركهم.

و لهذا أظن أن أعداداً ضخمة من المصريين ستنزل في شوارع مصر و ميادينها لتفوض الفريق أول عبد الفتاح السيسي لمحاربة الإرهاب الذي رأوه بأعينهم، و أملاً منهم في استقرار الأحوال و تحسن الظروف الاقتصادية، و أظن أن القوات المسلحة لن تقوم بمجازر وحشية، و إن كنت شبه متأكد أن دماء بريئة ستسيل من كل الأطراف، و لكنني أظن أيضاً أن عامة المصريين سيتغاضون عن أي ظلم سيحدث في حق معارضي النظام، و خاصة أعضاء تيارات الإسلام السياسي، و أتوقع أن يعود الوضع كما كان عليه أيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث سيتوحد الغالبية من الشعب تحت ظل نظام يجمعهم أملاً في حياة أفضل، و ستقهر المعارضة و تهمش، ربما لدرجة الاختفاء الكامل من على الساحة، و سيقال عن المظلومين أنهم يستحقون ما يحدث لهم، و سيختلط المجرم الحقيقي بالضحية المخدوعة بالبريء المغرر به و ينالون جميعاً نفس العقاب و يشربون من نفس الكأس.

إن ما يحدث في مصر الآن هو نموذج حي و صارخ لاختلاط الحق بالباطل، فقد كان من حق مرسي رئاسة مصر و لم يكن من حقه دفعها للهاوية و تجاهل من هم ليسوا من جماعته، و من حق مؤيدي مرسي الاعتصام تأييداً له و ليس من حقهم قطع الطرق و ترويع المواطنين و التهديد بالعنف و قتل الأبرياء، و من حق الشرطة و الجيش اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على الأمن القومي و سيادة القانون و ليس من حقهما انتهاك الكرامة الإنسانية و لا قتل من لم يحمل السلاح مهدداً حياة الجنود، و من حق المواطن المصري أن يعيش في أمان و يجد احتياجاته الأساسية و ليس من حقه أن يطالب بقتل مواطن آخر اختلف معه مهما كان السبب، و من حق الدولة و واجبها أن تقتص من المجرمين و ليس من حقها أن تفعل ذلك دون أدلة و تحقيقات و محاكمة عادلة. اختلط الحق بالباطل، و كل الأطراف معها جزء من هذا و جزء من ذاك، و لا أحمل أحداً المسؤولية بقدر ما أحملها جماعة الإخوان المسلمين و من وراءها تيارات الإسلام السياسي. و لا يسعني اليوم سوى الدعاء لمصر أن يحفظها الله سبحانه و يحفظ أهلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التسميات

٢٥ يناير (29) آدم (1) اخوان مسلمين (15) استشهاد (1) إسلام (26) الأنبا بيشوي (1) الأنبا تاوضروس (1) البابا شنودة (3) البرادعي (2) إلحاد (1) الداخلية (5) الفريق أحمد شفيق (6) الفريق سامي عنان (1) الم (2) المجلس العسكري (14) انتخابات الرئاسة (9) ايمان البحر درويش (1) برلمان (7) بلطجي (7) بولس رمزي (1) بيرم التونسي (1) تعريص (4) تمييز (2) توضيح (35) توفيق عكاشة (2) ثورة (33) ثيؤقراطية (6) جزمة (2) حازم شومان (2) حازم صلاح أبو إسماعيل (2) حب (4) حجاب (1) حرية (18) حزن (3) حواء (1) خواطر (33) خيانة (5) دستور (4) ديمقراطية (13) دين (37) زجل (3) سلفيين (15) سياسة (23) سيد درويش (1) شائعات (3) شرح (25) شرطة (5) شرع (7) شريعة (7) شهيد (5) صور (3) طنطاوي (7) عبد الفتاح السيسي (1) عبد المنعم الشحات (2) عتاب (1) عصام شرف (1) عصمت زقلمة (1) عقيدة (16) علمانية (13) عنف (7) عيد الميلاد (1) غزل (3) غناء (1) فلسفة (1) فوتوشوب (1) فوضى (3) قباحة (8) قبط (21) قصة (3) كنيسة (17) ماريز تادرس (1) مبارك (2) مجلس شعب (7) مرسي العياط (3) مرشد (5) مسيحية (28) مصر (51) معارضة (7) منطق (11) مواطنة (20) موريس صادق (1) نجيب جبرائيل (1) نفاق (1) نقد (36) وحي (1)