الجمعة، 27 سبتمبر 2013

مدخل إلى التفكير المنطقي - مقدمة

ما هو المنطق؟

أرسطو

المنطق علم قديم بدأ في اليونان القديمة، و بالإنجليزية اسمه Logic (ينطق لوجيك بتعطيش الجيم) و هو مشتق من الكلمة اليونانية λόγος (تنطق لوجوس) و تعني "سبب" أو "عقل" أو "كلمة" أو "خطبة"، و هو العلم المختص بدراسة مدى صحة الاستنتاجات من معطيات معينة عن طريق إعمال العقل. كان الفيلسوف اليوناني أرسطو (Aristotle) أول من جعل من المنطق علماً نظامياً في الفلسفة، غير أن العديد من الحضارات القديمة كانت تدرس المنطق أيضاً، و طور الفارابي (Al-Farabi) و ابن سينا (Avicenna) علماء العرب دراسة المنطق التي بدأها الإغريق، و يُدرَّس المنطق الآن في العديد من الجامعات و العديد من التخصصات الأكاديمية لأهميته في الاستنتاج السليم.

ما هو التفكير المنطقي؟

التفكير المنطقي هو استخدام المنطق في دراسة و تحليل الأفكار، سواء كانت أفكار الإنسان الشخصية أو أفكار الآخرين، بهدف الوصول إلى أفضل و أسلم استنتاج من المعلومات المعطاة أو المتوفرة. التفكير المنطقي ليس أداة لكسب الصراعات الفكرية، بل هو أداة لتقييم الخلاف الفكري للوصول لأفضل الاستنتاجات، و بناء على ذلك فإن التفكير المنطقي يحتم على المفكر أن يقيِّم قناعاته الشخصية في ضوء المنطق السليم و أن يقبل الرأي الآخر طالما كانت الأدلة التي تؤيده أقوى من تلك التي تؤيد الرأي الشخصي للمفكر.

الفارابي

و هذا المفهوم للتفكير المنطقي يحتم على المفكر أن يفسر كلام الآخرين بما يعطي استنتاجهم أكثر دعم يمكن فهمه من الكلام، لا أن يبحث عن المعنى البعيد الذي لا يخدم الاستنتاج المطروح، إذ أن الهدف هو الوصول إلى أفضل الاستنتاجات و ليس مجرد دحض الرأي الآخر. و في هذا الأمر يختلف التفكير المنطقي عن الصراع الفكري البحت، إذ أن التفكير المنطقي يسعى إلى هدف مشترك للمفكرين جميعاً، بينما الصراع الفكري هدفه الوحيد هو كسب الصراع بغض النظر عن أفضلية الاستنتاجات المختلفة.

و التفكير المنطقي أيضاً يحتم على المفكر أن يكون مشاركاً فعالاً في النقاش، لا أن يكون مستقبِلاً سلبياً للأفكار، و هو في ذلك يختلف كلياً عن التعلم بالتلقين كحفظ الأبيات الشعرية مثلاً، و يقترب من النقد الأدبي أو يماثله، إذ أنه لا يكتفي باستقبال المعلومات و لكنه يحللها و يفكر في معناها و في مزاياها و عيوبها و بدائلها الممكنة. و تبادل الآراء بهدوء و النظر إليها بحيادية من أهم قواعد و أعمدة التفكير المنطقي، و بناء عليه فإن هناك عوامل تشجع على التفكير المنطقي و عوامل أخرى تقلل من فرص حدوثه.

فمثلاً، عندما يكون ميزان القوة مختلاً بين الأطراف المختلفة، فإن الطرف الأضعف قد يخشى مخالفة الأقوى فيوافق على استنتاج لا يراه الأمثل تجنباً للأذى، و عندما يكون الإنسان غاضباً أو في حالة شعورية مضطربة فإن التفكير الحيادي صعب الحدوث، و لذلك ينبغي على من يريد التفكير بمنطقية أن يتجنب التفكير و الاستنتاج في تلك الحالات، و الحال كذلك عند الإرهاق الشديد أو الجوع أو العطش، فكل هذه الأحوال تؤدي إلى تشتيت التفكير و قلة القدرة على التركيز، و يندرج تحت هذا أيضاً العوامل المحيطة كوجود ضوضاء شديدة أو درجة حرارة عالية أو منخفضة بشكل كبير أو أي مؤثرات خارجية أخرى قد تشتت التفكير.

ابن سينا

مثال على الاستنتاج المنطقي

عندما يقال:

إذا كان الجو اليوم حاراً فلن أخرج من المنزل.
الجو اليوم حار.
إذاً فلن أخرج من المنزل.

هذا نوع من الاستنتاج المنطقي، و هو صحيح بفرض صحة المعطيات، فإذا كان شرط الخروج من المنزل صحيحاً، و وصف الحرارة اليوم صحيحاً، فإن ذلك الاستنتاج يتبع بالضرورة. و يمثل الآتي أيضاً استنتاجاً منطقياً سليماً:

إذا كان الجو اليوم حاراً فلن أخرج من المنزل.
لقد خرجت من المنزل اليوم.
إذاً فالجو ليس حاراً.

و لكن ما يلي لا يمثل استنتاجاً سليماً:

إذا كان الجو اليوم حاراً فلن أخرج من المنزل.
لم أخرج من المنزل اليوم.
إذاً فالجو حار.

لأن من الممكن ألا أكون قد خرجت من المنزل بسبب انشغال أو مرض أو لمجرد أنني لا أريد الخروج من المنزل.

المنطق لا يؤكد بالضرورة صحة الاستنتاجات

رأينا فيما سبق أن المنطق يدل على صحة الاستنتاج في حالة صحة المعطيات، و لا يضمن لنا المنطق مطلقاً أن يكون الاستنتاج فعلاً حقيقياً و صحيحاً إلا في ضوء صحة المعطيات، فمثلاً عندما يقال:

كل الألبان حمراء اللون.
لبن البقرة من الألبان.
إذاً، فلبن البقرة أحمر اللون.

فإن هذا استنتاج خاطئ، ليس لأن التركيب المنطقي خاطئ، و لكن لأن المعطيات خاطئة، فالجملة الأولى غير صحيحة، و بناء عليه فإن الاستنتاج غير صحيح. و لو صححنا الجملة الأولى لتكون "كل الألبان بيضاء اللون" بدون تغيير التركيب المنطقي لصح الاستنتاج. و كمثال آخر أقل وضوحاً، عندما يقال:

إذا وفرنا الرعاية الصحية المناسبة للمواطنين فإن صحتهم ستتحسن.
لقد وفرنا الرعاية الصحية المناسبة للمواطنين.
إذاً فإن صحة المواطنين سوف تتحسن.

الاستنتاج يبدو منطقياً و سليماً، و هو فعلاً كذلك، لكن ماذا لو كانت الجملة الثانية غير صحيحة؟ ماذا لو أننا كذبنا و لم نوفر الرعاية الصحية للمواطنين كما ادعينا؟ في تلك الحالة سيكون الاستنتاج خاطئاً بالرغم من صحة استخدام المنطق، لأن المعطيات كانت خاطئة.

و المراد من ذلك كله توضيح أن المنطق وحده و التفكير المنطقي وحده لا يضمن صحة الاستنتاجات بشكل مطلق، و لكنه يضمنها فقط في حالة صحة المعلومات المعطاة، و لا بد من استخدام التركيبات المنطقية السليمة مع التأكد من صحة المعطيات لضمان صحة الاستنتاجات.

و للحديث بقية...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التسميات

٢٥ يناير (29) آدم (1) اخوان مسلمين (15) استشهاد (1) إسلام (26) الأنبا بيشوي (1) الأنبا تاوضروس (1) البابا شنودة (3) البرادعي (2) إلحاد (1) الداخلية (5) الفريق أحمد شفيق (6) الفريق سامي عنان (1) الم (2) المجلس العسكري (14) انتخابات الرئاسة (9) ايمان البحر درويش (1) برلمان (7) بلطجي (7) بولس رمزي (1) بيرم التونسي (1) تعريص (4) تمييز (2) توضيح (35) توفيق عكاشة (2) ثورة (33) ثيؤقراطية (6) جزمة (2) حازم شومان (2) حازم صلاح أبو إسماعيل (2) حب (4) حجاب (1) حرية (18) حزن (3) حواء (1) خواطر (33) خيانة (5) دستور (4) ديمقراطية (13) دين (37) زجل (3) سلفيين (15) سياسة (23) سيد درويش (1) شائعات (3) شرح (25) شرطة (5) شرع (7) شريعة (7) شهيد (5) صور (3) طنطاوي (7) عبد الفتاح السيسي (1) عبد المنعم الشحات (2) عتاب (1) عصام شرف (1) عصمت زقلمة (1) عقيدة (16) علمانية (13) عنف (7) عيد الميلاد (1) غزل (3) غناء (1) فلسفة (1) فوتوشوب (1) فوضى (3) قباحة (8) قبط (21) قصة (3) كنيسة (17) ماريز تادرس (1) مبارك (2) مجلس شعب (7) مرسي العياط (3) مرشد (5) مسيحية (28) مصر (51) معارضة (7) منطق (11) مواطنة (20) موريس صادق (1) نجيب جبرائيل (1) نفاق (1) نقد (36) وحي (1)