الأربعاء، 25 يناير 2012

الإخوان في البرلمان

قرأت جملة كتبها أحد اصدقائي على حسابه في الفيسبوك قائلاً:

"همه الإخوان جزء من النظام السابق؟؟؟؟؟؟ ... لو أيوه ... أمال كنتوا إنتخبتوهم ليه علشان يمثلوكم فى المجلس؟ ..... و لو لأ .... يبقى ليه الهجوم المستمر عليهم ... و لا علشان همه اللى وثق فيهم الشعب و لا علشان فيه ناس فى البلد دى متعرفش تقول غير لأ ... و فيه ناس ما بتؤمنش بالموائمات و التنازلات ....... نفسى بس أفهم ليه كل اللى بيهاجموا النظام السابق - برضه - بيهاجموا الإخوان ...؟"

و الحقيقة انني أصابني الملل من قراءة مثل هذه التعليقات، و قررت أن أرد عليها في مقال قصير عساه ينهي هذا الجدل العقيم و الاستنتاجات المغلوطة.

هل الإخوان جزء من النظام السابق؟

بكل تأكيد هم ليسوا جزءًا من النظام السابق، و لو كانوا كذلك ما كان منهم من دخل المعتقلات و ناله ما ناله من التعذيب و الاضطهاد و ما كان النظام السابق استخدمهم كفزاعة في محاولته لإجهاض الثورة في مهدها، و لكنهم بالرغم من أنهم لم يكونوا جزءًا من النظام السابق إلا أنهم عقدوا مع هذا النظام صفقات مشبوهة، مثل صفقة برلمان ٢٠٠٥ الذي منح فيه الحزب الوطني نصيباً من مقاعد مجلس الشعب للإخوان.

الإخوان ليسوا جزءًا من النظام السابق و لكنهم بشر خطاؤون مثلهم مثل أي بشر، و هم أيضاً بموقفهم المتقلبة و المتلونة بحسب "الأجواء" السياسية يفقدون الكثير منا الثقة فيهم و في الدوافع التي تحكم قراراتهم و مواقفهم.

لماذا إنتخب الشعب الإخوان المسلمين كأغلبية؟

مما لا شك فيه أن الإخوان المسلمين كانوا الأكثر تواجداً على أرض الواقع وقت الانتخابات و من قبلها، و هذا اعطاهم ميزة دون غيرهم في الانتخابات، و مما لا شك فيه أيضاً أن الإخوان المسلمين من أكثر الفصائل تنظيماً على أرض الواقع، و هذا أيضاً اعطاهم ميزة دون غيرهم. و لكن هل كانت هذه هي كل الأسباب؟

بالنظر لحزب النور السلفي المكون حديثاً جداً (بعد الثورة فقط) و بالنظر لرفض السلفيين الاشتغال بالسياسة قبل الثورة (إنطلاقاً من أن السياسة بشكلها الحالي بعيدة كل البعد عن منهج السلف الصالح) و بالنظر لقول بعض كبار قياداتهم بأن الديمقراطية حرام و كفر و أن دخول المرأة للبرلمان مفسدة، فإنه من المدهش حقاً أن يحصد السلفيون تقريباً نصف ما حصده الإخوان المسلمون من مقاعد البرلمان...!!

إذن فهناك عامل آخر مشترك هو الذي أعطى الإخوان و السلفيين ميزة في الإنتخابات السابقة، و هو القيام على أساس ديني و إستخدام الدين في الدعاية الانتخابية. قرأنا و رأينا و سمعنا عن العديد من التجاوزات في الانتخابات، و كلها كانت متعلقة باستخدام الدين في الدعاية الانتخابية. و رأينا أمثلة من الناخبين الذين اعطوا صوتهم "للناس بتوع ربنا" و منهم من أعطى صوته لمن "جاب لنا رز و سمنة و لحمة و كل حاجة"...!! فلا عجب إذاً أن يكون البرلمان مليئاً بالإخوان المسلمين و السلفيين، و لا أقول أنه غير معبر عن الشعب، بل أقول أنه معبر عن شعب جاهل سياسياً، و هذا مقبول في بدء خروج مصر من مرحلة القمع و التجهيل، و لكنه لن يكون مقبولاً في الانتخابات القادمة.

إذاً فمن إنتخب الإخوان ليس هو من يهاجم الإخوان حالياً. من انتخبهم هم الأغلبية الجاهلة سياسياً.

لماذا الهجوم المستمر على الإخوان المسلمين؟

الكثير منا ربما يدرك أن جماعة الإخوان المسلمين كانت و لا زالت غير واضحة في العديد من المواقف و الإتجاهات، و تكرر أن نسمع منها كلاماً و عكسه في فترة قليلة، و تكرر أن يدافع عنها المنتمون إليها في الحالتين و كأنهم يوافقون على الموقف و عكسه في نفس الوقت تقريباً، و لا يعدمون التبريرات و الاستشهاد بالدين من قرآن و حديث و سيرة، و تكرر من جماعة الإخوان المسلمين فصل أعضاء منها لمخالفتهم الرأي للمرشد، مما يتنافى مع مبادئ الديمقراطية، و لا أرى بأساً في أن يفعلوا ذلك داخل الجماعة، فهي جماعة خاصة و من حقهم تنظيمها كما يشاؤون، لكن الخوف كل الخوف أن ينتقل هذا الأسلوب الديكتاتوري المغلف بالدين إلى مجلس الشعب و مختلف التمثيلات الشعبية في الدولة.

و من ضمن الأشياء التي استهجنها أنا شخصياً عدم الإعلان عن الموارد المالية للإخوان و تسجيلهم كجمعية خيرية في الشئون الإجتماعية. قد كانوا مضطهدين من قبل و ممنوعين من التواجد على الساحة بشكل رسمي، و منذ تنحي المخلوع عن الحكم ظهروا و شكلوا حزباً و ترشحوا في مجلس الشعب و حازوا على الأغلبية و صاروا يتكلمون في كل وسائل الإعلام المقروءة و المسموعة و المرئية، فما هي حجتهم في الإعلان عن مواردهم المالية بشفافية؟ الزعم بأن هذه الموارد مصدرها إشتراكات الإخوان غير مقبول في عدم وجود شفافية، فما الذي يدرينا أنهم لا يتلقون تمويلاً من الخارج أو يختلسون من الميزانية (و هي تقدر بالملايين حسبما نستنتج من معدل إنفاق الجماعة). ألم نكن نشكو من غياب الشفافية في العهد المنقضي؟ ألم نر في ذلك العهد كيف تسربت ملايين و مليارات الدولارات خارج مصر بسبب غياب الشفافية؟

و حتى إذا ما كنت الجماعة تتلقى مساعدات من الخارج تحت أي مسمى، فأنا كمواطن (و أظن أن الكثيرين يشتركون معي في هذا الرأي) أطالب بمعرفة قدر هذه المساعدات و مصدرها و تحت أي بند تندرج و الهدف من قبولها. أم أن الإخوان صاروا الآن فوق القانون؟ من يطالب بوضع ميزانيات الكنائس تحت الرقابة المالية (و أنا موافق بكل تأكيد على هذا) عليه أيضاً أن يطالب إنطلاقاً من نفس المبدأ بوضع ميزانية الإخوان تحت المراقبة.

ثم أن علاقة الإخوان بحزب الحرية و العدالة علاقة غامضة و غير مفهومة. هل الحزب منفصل تماماً عن الجماعة (و هو ما ينبغي أن يكون) أم أن الحزب جزء من الجماعة بشكل أو بآخر؟ و إن كان الحزب منفصلاً تماماً، فكيف نرى في بعض الأحيان إقتران قرارات الحزب و مواقفه بمكتب الإرشاد؟ و ما هي آليات إتخاذ القرار داخل الحزب؟ هل لهذه علاقة على الإطلاق بمكتب الإرشاد؟ و هل تمويل الحزب منفصل تماماً عن جماعة الإخوان المسلمين و مكتب ارشادها؟ و ماذا إن إختلف رأي الحزب مع رأي مكتب الإرشاد و المرشد العام؟ و كيف تلزم الجماعة اعضاءها بالاشتراك في هذا الحزب دون غيره؟ كل هذه اسئلة لا بد من وجود إجابات واضحة لها، و لا يرضينا الإجابات الديبلوماسية و "المائعة" التي تصدر أحياناً من الجماعة أو قياداتها.

هل وثق الشعب في الإخوان المسلمين؟

من الصعب الإجابة على هذا السؤال، و أوضحت عاليه أن الإخوان اكتسبوا أرضية كبيرة بسبب المساعدات المادية التي قدموها للناخبين و بسبب دخولهم الإنتخابات تحت شعار الدين. فهل وثق فيهم الشعب أم أنه رآهم أفضل من على الساحة فكان الإختيار هو أحلى المرين؟ ليست عندي هذه الإجابة و لا أظنها عند أي أحد.

هل هناك في مصر من لا يتكلم إلا ليعترض؟

ربما. فمصر مواطنوها بشر مثل أي بشر آخرين، و هناك من البشر مثل هذه النوعية، و لكن هل يعارض الإخوان من يعارضهم لأنهم دائماً مع المعارضة أم لأنهم عندهم سبب للمعارضة؟ هذا سؤال يجب البحث في اجابته في كل حالة على إنفراد، و لا أظن أن كل من يعارض الإخوان هو فقط من محبي المعارضة، فالمعارضة مجهدة في الأغلب الأعم، و ليس في ظني أن عدد المواطنين "محبي المعارضة" يرقى إلى عدد معارضي الإخوان المسلمين.

الموائمات و التنازلات، ماذا نقبل منها و ماذا نرفض؟

و هذا أيضاً سؤال تصعب اجابته، لأنه بمنتهى البساطة محل خلاف بين الأفراد. ما أقبله أنا كتنازل ربما لا يقبله غيري. و لا أدري ماذا عني صديقي بالظبط بالموائمات و التنازلات، و لكني أظنه عني سيطرة التيار الديني على مجلس الشعب عن طريق إنتخابات نزيهة (و لنعتبرها كذلك). أنا شخصياً مستاء تماماً من هذا الواقع، و لكني كمؤمن بالديمقراطية لا بد أن أتقبل الواقع، و تقبلي للواقع لا يعني أن أكف عن الإعتراض و أوافق الأغلبية على رأيهم...!! تقبلي للواقع يعني أن أتعايش معه و أن أحاول تغييره بطريقة شرعية و سلمية و "نظيفة" إن صح القول، و لا يعني استسلامي للواقع و قبولي له. التقبل في نظري غير القبول. في القبول رضا و إختيار حر و في التقبل تعايش مع الإختلاف.

لكل منا أن يختار ماذا يقبل و ماذا يتقبل، طالما اتفقنا أن نتعايش معاً و أن نغير ما استطعنا بطريقة "نظيفة"، أي طبقاً للقانون و الدستور و طبقاً لإرادة الشعب. لا تلمني إذا حاولت تغيير رأي الشعب في الإخوان عن طريق تعليم الشعب و إقناعه، و لكن لمني بشدة و أوقفني عند حدي إن حاولت أن أغير بالقوة الجبرية ما اختاره الشعب بإرادته.

لماذا كل معارضي النظام السابق هم أيضاً معارضون للإخوان؟

لا أرى في هذا إلا تعميماً مغلوطاً، فأنا أعرف الكثيرين من معارضي الظلم تحت النظام السابق ممن يدعمون الإخوان، أو حتى يقفون منهم موقف الحياد، و أعرف البعض ممن كانوا لا يعترضون على النظام السابق (بغض النظر عن الأسباب) ممن يعارضون الإخوان حالياً أو يؤيدون الإخوان أيضاً...!

الخلاصة:

الإخوان المسلمون بشر مثلنا لا يجديهم الدين إلا إن اتبعوه بصدق و إخلاص، و كذلك السلفيون و كل من ينادي باسم الدين. في رأيي الشخصي أن الدين لا بد أن يفصل عن السياسة، و لنا في الانتخابات السابقة عبرة و عظة. فإن لم يفصل، فمن الواجب علينا و على ممثلينا في البرلمان و "خدامنا" في الحكومة (نعم هم خدامنا) أن يهتموا بالتعليم و التوعية بما يكفي لأن يفصل الناخبون في ذهنهم بين الدين و السياسة عند الإدلاء بأصواتهم. الدين لله و الوطن للجميع.

ثم أن معارضة الإخوان و الإعتراض عليهم ليست جريمة يا سيدي الفاضل. في الواقع أن المعارضة الحرة هي من مظاهر الديمقراطية الحقة، و لا نريد أن نتحول من ٩٩٪ للحزب الوطني الديمقراطي إلى ٩٩٪ لحزب الحرية و العدالة. المعارضة مطلوبة بكل تأكيد، و غيابها يضمن لنا إستعادة الديكتاتورية بشكل مختلف.

أنا ضد الإخوان فكراً، و لكن سأؤيدهم في أي موقف مشرف يتخذونه، فالمعارضة السياسية العاقلة لا تعني أن اعارض على طول الخط حتى عندما يكون الطرف الآخر صائباً، و تأييد المواقف المشرفة (تشجيع اللعبة الحلوة بمعنى آخر) لا يعني بالضرورة أن أتحول من معارض إلى مؤيد.

أرجو أن أكون قد أوضحت رأيي، و ادعو الله أن يوفق مصر و المصريين إلى ما فيه خيرهم و رخاء وطنهم.

التسميات

٢٥ يناير (29) آدم (1) اخوان مسلمين (15) استشهاد (1) إسلام (26) الأنبا بيشوي (1) الأنبا تاوضروس (1) البابا شنودة (3) البرادعي (2) إلحاد (1) الداخلية (5) الفريق أحمد شفيق (6) الفريق سامي عنان (1) الم (2) المجلس العسكري (14) انتخابات الرئاسة (9) ايمان البحر درويش (1) برلمان (7) بلطجي (7) بولس رمزي (1) بيرم التونسي (1) تعريص (4) تمييز (2) توضيح (35) توفيق عكاشة (2) ثورة (33) ثيؤقراطية (6) جزمة (2) حازم شومان (2) حازم صلاح أبو إسماعيل (2) حب (4) حجاب (1) حرية (18) حزن (3) حواء (1) خواطر (33) خيانة (5) دستور (4) ديمقراطية (13) دين (37) زجل (3) سلفيين (15) سياسة (23) سيد درويش (1) شائعات (3) شرح (25) شرطة (5) شرع (7) شريعة (7) شهيد (5) صور (3) طنطاوي (7) عبد الفتاح السيسي (1) عبد المنعم الشحات (2) عتاب (1) عصام شرف (1) عصمت زقلمة (1) عقيدة (16) علمانية (13) عنف (7) عيد الميلاد (1) غزل (3) غناء (1) فلسفة (1) فوتوشوب (1) فوضى (3) قباحة (8) قبط (21) قصة (3) كنيسة (17) ماريز تادرس (1) مبارك (2) مجلس شعب (7) مرسي العياط (3) مرشد (5) مسيحية (28) مصر (51) معارضة (7) منطق (11) مواطنة (20) موريس صادق (1) نجيب جبرائيل (1) نفاق (1) نقد (36) وحي (1)