الأحد، 15 فبراير 2015

ما حطش منطق

مش سهل أبداً على فكرة إنك تفكر بأسلوب منطقي سليم. ليه؟ لأننا كبشر عاوزين الحرق بجاز وسخ أصلاً، وكل واحد مننا بيحاول يثبت إنه صح مش بيحاول يوصل للحقيقة ولا يستخدم المنطق. وعلى الرغم من كدا تلاقي ناس كتير فشخ فاكرين نفسهم ملك ملوك سلاطين رؤساء إمبراطورية المنطق العالمية، ودا لمجرد إنهم متعلمين حبتين، وساعات من غير ما يكونوا متعلمين ولا زفت على دماغ أهاليهم. أنا كنت واحد من هؤلاء للأسف.

لا أبالغ مطلقاً لو قلت على نفسي ذكي. عملت كم مرة اختبار ذكاء وطلع فيهم كلهم الآي كيو بتاعي (دا اللي هو مقياس الذكاء اللي الكفرة في الغرب مسميينه intelligence quotient) ما بين ١٣٠–١٤٠ فيهم كلهم. الإنسان المتوسط بيبقى قرب الـ ١٠٠، يعني أنا أعلى حبتين تلاتة من المتوسط. ويشاء العزيز القدير يا محترم إن يكون تعليمي وصل لمرحلة اللامؤاخذة الدكتوراه، اللي هي أعلى شهادة علمية في المجال الأكاديمي في كل أرجاء المعمورة (مش المعمورة اللي جنب المنتزه؛ المعمورة اللي هي الأرض العمرانة بالبشر عدم اللامؤاخذة تاني). فأنا بقى كنت فاكر إني واد فريكيكو وأفهمها وهي طايرة وكدا، لحد ما شاء العزيز القدير برضه إني أسافر بلاد الغرب ابن الكلب الكافر وأقرا لي كلمتين غير الخراء الفكري اللي كنا بنقراه في مصر، وأشوف الناس بتعلم العيال إزاي وبتعلم نفسها إزاي، ويشاء العزيز القدير هو نفسه إني أقرا شوية بربع جنيه عن المنطق وعن التفكير النقدي اللي بيسموه الكفرة critical thinking، فاكتشفت بمحض الصدفة البحتة إني كنت حمار، وبدأت أشوف عدد أكبر بكتير من الناس على إنهم حمير، وما زلت مقتنعاً حتى هذه اللحظة المجيدة إني حمار وإن معظم الناس حمير.

ما تزعلش لو اعتبرت إني بأقول عليك حمار، لأني حطيتك في نفس الفئة الحمورية اللي حطيت فيها نفسي. عارف المشكلة بقى فين؟ المشكلة لو أنت مش عارف إنك حمار، والمشكلة الأخطر بمراحل إنك تكون متأكد تمام التأكد إنك مش حمار. دا في حد ذاته دليل وبرهان قاطع على إن سعادتك أقل من الحمار منزلة.

ليه طيب الكلام الجارح دا يا أستاذ؟!

لو حقيقي عاوز تعرف، اقرا شوية عن المنطق والتفكير النقدي من أي مرجع محترم. حاول تشوف أي حاجة غير الخراء الفكري بتاع القرون الوسطى اللي واخدينه عن التراث الإسلامي وبيعلموه للعيال في مصر على إنه أحدث ما وصل إليه العلم. علشان بس يبقى عندك شبه فكرة، المنطق دلوقت بيعتبر جزء أو فرع من علوم الرياضيات، وفيه معادلات وقواعد وحبشتكانات جامدة فشخ، ودا نتاج كذا ألف سنة من التقدم الحضاري والعلمي من أيام الإغريق (ربنا يبشبش الطوبة اللي تحت راسهم مع إنهم كفرة) إلى هذه اللحظة المجيدة (تاني!)

المنطق طلع فيه كلام كبير قوي، واتضح إنه مختلف تماماً عن اللي قالوه في مسرحية «العيال كبرت» إنه لما واحد يقع «مايحطش منطق». المتعلمين في مجتمعنا العريق فاكرين المنطق دا ذكاوة ومفهومية، وهو في الواقع محتاج لدرجة لا بأس بها من الذكاوة والمفهومية، بس مش بالضرورة كل اللي عنده حبة ذكاوة ومفهومية يبقى منطقي فشيخ. فيه طرق لازم تستخدمها وأنت بتفكر علشان تعرف أنت ماشي صح ولا بتهرتل علشان تطلع نفسك صح، وعلى عكس ما قد يتبادر لذهن سعادتك الذي يشع إشعاعات الذكاء الحارق الخارق، استخدام قواعد المنطق مش سهل، ومحتاج لتدريب وممارسة، والأهم من كل دا إنه محتاج عقل متفتح يقدر يتقبل إن أي حد فينا ممكن يكون على خطأ في كل حاجة تقريباً، ودا بقى أصعب ملايين المرات من التدريب والممارسة (أنا عارف إن كلمة ممارسة دي ليها إيحاءات مش ولا بد بس أنا غرضي شريف).

المفاجأة الكبيرة كيك بقى (مشيها كيك علشان الرقابة) إن المنطق لوحده لا يعني شيئاً على الإطلاق! يا خبر أسود ومنيل بستين نيلة!! يعني كل الدوشة دي، وممارسة وكيك وخلافه، علشان يطلع مالوش لازمة؟! هو مش بالضبط مالوش لازمة. أنا قلت مالوش لازمة لوحده. المنطق ما هو إلا آلة تستخدم للاستنتاج. لو استخدمت الآلة دي على معلومات خاطئة أو هرتلة فجة هتطلع لك استنتاجات خاطئة أو هرتلة فجة برضه. يعني حتى لو سعادتك متعلم منطق زي خلق الله الكفرة بتوع الغرب، وحتى لو بتستخدم الأساليب المنطقية الصحيحة طول الوقت، لكن باني كل قناعاتك واستنتاجاتك على معلومات خاطئة، هتبقى حمار! شفت المفاجأة؟!

الموضوع طلع مش سهل. علشان ما تبقاش حمار، لازم تبذل مجهود ابن شربوتة (دلع الشربات يعني؛ مايبقاش ظنك سيء) مش بس علشان تتعلم المنطق، ولا علشان تستخدم المنطق باستمرار وبشكل صحيح، لا كمان علشان تتأكد من صحة المعلومات اللي بتستخدم عليها المنطق! طيب وتتأكد إزاي من صحة المعلومات؟ دا بقى موضوع يطول شرحه، وأنا عن نفسي لسه بأبحث فيه، فأنصح جميع القراء بالبحث والفحص والتمحيص، لأني زي ما قلت لكم سابقاً لسه حمار.

خد بال سعادتك إنك لو على يقين إنك مش حمار، فذلك معناه غالباً إنك أقل بكتير من الحمار، وربما لا تزيد في المكانة العقلية عن الزلطة. عزيزي الإنسان، مش كل حاجة تقراها وتبسطك فشخ وتيجي على هواك تبقى منطقية وجميلة وصح. بالعكس، دي ممكن تبقى خراء فكري عفن. عزيزي الإنسان، تأنى وفكر بعمق وراجع نفسك فشاخين المرات (جمع فشخليون) قبل أن تنحاز بشدة لفكرة ما. عزيزي الإنسان، كن حماراً ولا تكن زلطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التسميات

٢٥ يناير (29) آدم (1) اخوان مسلمين (15) استشهاد (1) إسلام (26) الأنبا بيشوي (1) الأنبا تاوضروس (1) البابا شنودة (3) البرادعي (2) إلحاد (1) الداخلية (5) الفريق أحمد شفيق (6) الفريق سامي عنان (1) الم (2) المجلس العسكري (14) انتخابات الرئاسة (9) ايمان البحر درويش (1) برلمان (7) بلطجي (7) بولس رمزي (1) بيرم التونسي (1) تعريص (4) تمييز (2) توضيح (35) توفيق عكاشة (2) ثورة (33) ثيؤقراطية (6) جزمة (2) حازم شومان (2) حازم صلاح أبو إسماعيل (2) حب (4) حجاب (1) حرية (18) حزن (3) حواء (1) خواطر (33) خيانة (5) دستور (4) ديمقراطية (13) دين (37) زجل (3) سلفيين (15) سياسة (23) سيد درويش (1) شائعات (3) شرح (25) شرطة (5) شرع (7) شريعة (7) شهيد (5) صور (3) طنطاوي (7) عبد الفتاح السيسي (1) عبد المنعم الشحات (2) عتاب (1) عصام شرف (1) عصمت زقلمة (1) عقيدة (16) علمانية (13) عنف (7) عيد الميلاد (1) غزل (3) غناء (1) فلسفة (1) فوتوشوب (1) فوضى (3) قباحة (8) قبط (21) قصة (3) كنيسة (17) ماريز تادرس (1) مبارك (2) مجلس شعب (7) مرسي العياط (3) مرشد (5) مسيحية (28) مصر (51) معارضة (7) منطق (11) مواطنة (20) موريس صادق (1) نجيب جبرائيل (1) نفاق (1) نقد (36) وحي (1)