الاثنين، 23 ديسمبر 2013

مشكلتي مع الإلحاد

لوجو حقوق الإنسان

ما هي مشكلتي مع الإلحاد؟ الحقيقة أنني لا أرى أي مشكلة في الإلحاد طالما لم يحاول أن يفرض علي شيئاً، كما أنني لا أرى أي مشكلة في أي شيء طالما لا أتضرر منه و ليس هناك أي احتمال أن أتضرر أنا أو أي شخص آخر منه. والضرر هنا لا بد من تعريفه تعريفاً محدداً لكي لا يكون هناك مجال للفهم الخاطئ.

لكل إنسان منا مساحة من الحريات والحقوق الأساسية التي لا يمكن أن يُنتَقص منها شيء، وهذه الحريات والحقوق ذكرها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة في عام ١٩٤٨، وهذه هي الحريات والحقوق التي لا يمكن أن تُنتَقص على الإطلاق وإلا كان ذلك تعدياً مباشراً على الفرد أو مجموعة من الأفراد، وقد تُزَاد مساحة الحريات والحقوق عن تلك الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

ولا أحمل أي ضغينة ولا عندي أي مشكلة على الإطلاق مع أي شيء لا يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية لي ولأسرتي بشكل خاص، أو لأي إنسان بشكل عام من منطلق أن السكوت عن انتهاك حق الآخر قد ينتهي بانتهاك حقي الشخصي. ضمان الحفاظ على تلك الحقوق والحريات هو أن يقوم كل فرد في المجتمع بالدفاع عن حقوق و حريات الآخرين.

لوجو الإلحاد

وحقيقة لا أرى أي مشكلة مع الإلحاد لأنه لا ينتقص من حقوقي الأساسية، وهنا ينبغي ألا نخلط بين الإلحاد وبين الشيوعية التي حرمت الأديان في الاتحاد السوفييتي السابق، فالإلحاد إختيار شخصي ألا يؤمن الفرد بوجود إله، ومنه معتقدات مقاربة وهي اللادينية (ألا يؤمن الشخص بدين معين) واللاأدرية (أن يعتقد الإنسان أن وجود الله أو عدمه لا يمكن معرفته)، وكما ورد في إعلان حقوق الإنسان، فإن حرية العقيدة والفكر مكفولة للجميع، وكما ذكرت سابقاً فإن ضمان الحفاظ على الحريات و الحقوق هو أن يدافع كل فرد في المجتمع عن حقوق الآخرين، ومن ثم، فإنني أدافع عن حق الملحد في إبداء إلحاده وإعلان رأيه على الملأ بلا خوف من انتقاص من حرياته الأساسية.

وحرية الرأي وحرية التعبير عنه تعني ضمنياً أن أقول ما لا يعجبك وأن تقول ما لا يعجبني، لأننا إن قيدنا حرية التعبير عن الرأي بتجنب استفزاز الآخرين أو مضايقتهم، فإننا نعارض مفهوم الحرية من الأساس، وذلك لأنه من شبه المستحيل أن يكون كل المجتمع مجمعاً على كل الآراء بلا خلاف بحيث أن إبداء الرأي لا يمكن أن يشكل استفزازاً أو مضايقة للآخرين. وأنا عن نفسي أحاول دائماً كلما استمعت لرأي أو قرأت رأياً ضايقني أو استفزني أن أذَكّر نفسي بذلك، ولا أدعي المثالية ولا أنني نموذج للحفاظ على حرية الرأي والدفاع عنها، ولكنني أحاول قدر الإمكان أن أكون مثالياً، وأتمنى أن يحاول الكل نفس الشيء.

وأجد أنه من غير اللائق، بل ومن غير القانوني في بعض الأحيان، أن يتعرض أحدهم بالإهانة والسب لآخر بدعوى حرية التعبير عن الخلاف في الرأي، لأن المعاملة الكريمة من الحقوق الأساسية للإنسان. اختلف مع الآخر في الرأي كيفما شئت، وعبر عن رأيك بكل الوسائل وفي أي وقت، مع إحترام الآخر المختلف عنك في الرأي. الهجوم على الفكرة ونقدها لا يعد تعدياً على الفرد، لأن المعتقدات الفكرية قابلة للتغيير عند نفس الفرد، وما يعتقد فيه الآن قد لا يكون ما اعتقد فيه من قبل، و قد لا يكون ما سيعتقد فيه في المستقبل، والفكرة لا تعد شخصاً في ذاتها، والاعتقاد ما هو إلا فكرة.

المسيح على الصليب

لذلك لا أجد غضاضة فيمن يهاجم المسيحية بالدليل والمنطق وبدون إهانة ولا تجريح لشخصي أو شخص آخر، وبالرغم من انني أتضايق جداً ممن يهين المسيحية كدين وفكرة، إلا أنني اعتبر ذلك إبداءًا لرأيه في هذه الفكرة، وله كامل الحق في إبداء رأيه—الذي يضايقني ويستفزني—بالشكل الذي يبدو له طالما لم ينتقص من حقوقي وحرياتي. ومعنى ذلك أنني من حقي أنا الآخر أن أبدي رأيي في معتقده بالشكل الذي يحلو لي طالما لم أتعرض له شخصياً بالتجريح أو الإهانة.

ولا أدَّعي أن كل الملحدين يناقشون فكرة الإلحاد أو عدم قيمة الأديان بشكل موضوعي وبدون إهانات شخصية، ولكن هناك حتماً من يدافع عن معتقده بالفكر والمنطق، ولا يحق لأي شخص أن يجبرهم على الصمت أو ينتقص من أي من حقوقهم الأساسية الأخرى لمجرد أن رأيهم يضايقه. وحتى هؤلاء الذي يناقشون مسألة الإلحاد بالهجوم الشخصي على معتنقي الديانات لا بد أن يُستَمَع لهم مع توجيههم عندما يحيدون عن الخط المقبول في إبداء الرأي.

وفي مصر الآن عدد من الملحدين لا أدري قدره، لكن من المؤكد أن رأيهم مطروح على الساحة، خصوصاً في ظل وجود الإنترنت، ومن المؤكد أن عددهم في ازدياد عما سبق، أو على الأقل عدد الذين يجاهرون بالإلحاد في إزدياد عما سبق، وفي الوقت ذاته أرى هجوماً عنيفاً على حقهم في التعبير من المتدينين من المسلمين والمسيحيين، وبالأخص من المسلمين الذين اعتادوا على مهاجمة كل ما لا يتفق مع الإسلام بمنتهى الحرية و إسكات كل ما ينتقد الإسلام بمنتهى العنف الجسدي أو (غالباً) اللفظي. ولجميعهم أقول إن هذا الزمان قد ولَّى، فلا تتوقعوا أن بإمكانكم إرهاب أصحاب الفكر المختلف لإسكاتهم.

Smiley

نعم، الملحد على حق في بعض أطروحاته بخصوص وجود الله و الأديان، لكنني أرى أيضاً أنه على خطأ في البعض الآخر، ولهذا السبب ما زلتُ مسيحياً، ولا أدعي أنني على حق مطلق، ولا أدعي أن الملحد على خطأ مطلق، وأؤمن أولاً وأخيراً أنني مسؤول عن نفسي بالدرجة الأولى وعن أسرتي وأطفالي حتى يصيروا بالغين، ولستُ مسؤولاً عن الحياة الآخرة الخاصة بالآخرين، الذين قد لا يؤمنون بها أصلاً.

ولذلك لا أرى أي مشكلة بيني وبين الإلحاد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التسميات

٢٥ يناير (29) آدم (1) اخوان مسلمين (15) استشهاد (1) إسلام (26) الأنبا بيشوي (1) الأنبا تاوضروس (1) البابا شنودة (3) البرادعي (2) إلحاد (1) الداخلية (5) الفريق أحمد شفيق (6) الفريق سامي عنان (1) الم (2) المجلس العسكري (14) انتخابات الرئاسة (9) ايمان البحر درويش (1) برلمان (7) بلطجي (7) بولس رمزي (1) بيرم التونسي (1) تعريص (4) تمييز (2) توضيح (35) توفيق عكاشة (2) ثورة (33) ثيؤقراطية (6) جزمة (2) حازم شومان (2) حازم صلاح أبو إسماعيل (2) حب (4) حجاب (1) حرية (18) حزن (3) حواء (1) خواطر (33) خيانة (5) دستور (4) ديمقراطية (13) دين (37) زجل (3) سلفيين (15) سياسة (23) سيد درويش (1) شائعات (3) شرح (25) شرطة (5) شرع (7) شريعة (7) شهيد (5) صور (3) طنطاوي (7) عبد الفتاح السيسي (1) عبد المنعم الشحات (2) عتاب (1) عصام شرف (1) عصمت زقلمة (1) عقيدة (16) علمانية (13) عنف (7) عيد الميلاد (1) غزل (3) غناء (1) فلسفة (1) فوتوشوب (1) فوضى (3) قباحة (8) قبط (21) قصة (3) كنيسة (17) ماريز تادرس (1) مبارك (2) مجلس شعب (7) مرسي العياط (3) مرشد (5) مسيحية (28) مصر (51) معارضة (7) منطق (11) مواطنة (20) موريس صادق (1) نجيب جبرائيل (1) نفاق (1) نقد (36) وحي (1)