هذه القصة خيالية هزلية لا يُقصد بها أشخاص معينون و لا عقائد معينة، فإن كنت تفتقد لروح الفكاهة و تعاني من حساسية مفرطة لكل ما يمس أي معتقد ديني، فالله يكرمك لم خلجاتك و اتكل على الله من هنه مش ناجصاك هيا.
كان آدم جالساً في الجنة وقت القيلولة على شاطئ النهر تحت ظلال شجرة الجميز فارعة الأفرع، و كانت الشجرة ممتلئة بثمار الجميز الناضجة الشهية، و على مقربة من آدم و في متناول يده، كانت على الأرض زرعة بطيخ رملي فاخر، و كانت هي الأخرى ممتلئة بثمار البطيخ الناضجة، و كان اليوم حاراً و الشمس ساطعة، و كان آدم قد عاد لتوه من رحلة سفاري إلى غابات الجنة شاهد فيها الحيوانات المختلفة و لعب مع القرود لعبة الاستغماية وسط أشجار الصنوبر الشاهقة التي ارتفعت فوق حشائش السافانا المرتفعة، ففي الجنة كان كل شيء ممكناً: السافانا تحت أشجار الصنوبر، و كل الحيوانات أليفة وديعة تلعب مع آدم كل يوم لتسليه و ترفه عنه، و كانت لعبة الاستغماية قد أرهقت آدم، إذ أن القرود كانت تختبئ منه في أفرع الصنوبر العالية فيضطر آدم إلى تسلق الشجر للإمساك بها، و كان النسيم العليل الذي يهب من جهة النهر يلطف درجة الحرارة و يجعل آدم مسترخياً مستمتعاً بجلسته تحت شجرة الجميز.
في الوقت ذاته كانت حواء تتمشى في الجهة الأخرى من الجنة حيث الحدائق و أشجار الفاكهة، و كانت تحمل سلتها التي صنعتها من البوص و تنتقي من فاكهة الجنة ما طاب لها فتضعها في السلة، و تقطف من أزهار الجنة ما راق لها و تغرسها في شعرها الأسود الغزير المنسدل على كتفيها لتتزين بها، و هي تغني "حبك جننا يا اسمك إيه" و تفكر في الوقت الرومانسي الجميل الذي ستقضيه مع آدم الذي تتزين له، و خاصة بعدما يأكل حتى تمتلأ معدته من الفاكهة و يتجشأ بصوت عال كعادته، و فيما هي تمشي في حدائق الجنة مرت بجوار شجرة تفاح أمريكاني، فاستهواها لونه الأحمر و تعلق نظرها به في حين كانت تمشي غير ملتفتة لموطئ قدميها، و إذ بها تشعر بشيء تحت قدمها اليسرى و تسمع:
- آاااي... لسااااني... لسااااني... آه يانا يامه يا لساني
نظرت حواء في ارتياع للأرض تحتها فوجدت حية رقطاء صلعاء تبكي و هي تصرخ و لسانها مدلى خارج فمها و قد انشق نصفين و راح ينزف دماء غزيرة، فانحنت حواء تربت عليها و حملتها على ذراعيها في مزيج من الرأفة و الحزن و الألم و تأنيب الضمير.
- يا ربي... يا ربي... يقطعني ياختي ما كنتش أقصد. و النعمة الشريفة دي على عيني ما شفتك.
قالت حواء ذلك و هي ترفع برتقالة و تضعها أمام عينيها ثم تمسح دموع الحية، ثم مدت يدها فأمسكت بلسان الحية من حيث انشق و ضغطت عليه بين إبهامها و سبابتها و هي تقول:
- خليني أكبس لك الجرح عشان النزيف يقف. يا ريتنا كنا جنب شجر البن، لكن ده بعيد.
و بعد فترة قصيرة توقف النزيف و كفكفت الحية دموعها ثم أخرجت لسانها المشقوق خارج فمها و نظرت إليه في ألم و قالت بنبرة يملؤها الحزن و بلثغة سببها انشقاق اللسان:
- مش عارفة هاكل تفاح إزاي تاني أنا كده.
- هو إيه التفاح ده؟
- الفاكهة اللي هناك دي ع الشجرة، الحمرا الملعلطة دي اللي شكلها يفرح القلب، دي طعمها لذيذ فشخ.
- بس إحنا مش المفروض ناكل من الفاكهة دي. إحنا واخدين تعليمات صريحة بكده.
- انتي بتصدقي برضه الكلام ده يا أختي؟ ده تلاقي بس عشان ما تخلصوش التفاح اللي في الجنة. أصل ما فيش غير الشجرة دي أصلاً و الاستيراد ممنوع، و البيه جوزك بسم الله ما شاء الله عليه بياكل أكل الوحوش. أنا شفته مرة و هو بياكل اتخضيت و جريت لياكلني. هو ما بيتخنش إزاي؟
- هايتخن إزاي و هو كل يوم يروح يلعب استغماية مع القرود و يرجع حيله مهدود؟! ده بيحرق له بتاع مليون سعر حراري في اليوم. بس قولي لي... هو التفاح ده حلو قوي يعني؟
- يا خراشي عليه و على جماله و حلاوته و طعامته. ده أنا بآكل التفاحة من دول بأفضل بعدها سعيدة و مزقططة يطلع شهرين. دي ريحته ترد الروح و النبي يا أختي. حتى شميه كده لو ما كنتيش مصدقة.
اقتربت حواء من شجرة التفاح الأمريكاني و هي تنظر إليها في إعجاب و وله، و عجبت لأنها لم تر الشجرة بمثل هذا الجمال من قبل، جالت بنظرها في الشجرة لتبحث عن تفاحة في متناول يدها، فلم تجد إلا واحدة، فمدت يدها و أخذتها فتأملتها لوهلة ثم أدنتها من أنفها و أغلقت عينيها و تنفست نفساً عميقاً لتشتم رائحتها، فابتسمت حين داعبت الرائحة أنفها، و التفتت إلى الحية قائلة:
- تصدقي معاكي حق! أنا مش عارفة كنت عايشة إزاي من غير التفاح ده.
- دوقيها بقى كده و قولي لي رأيك في الطعم. هاتلاقيه حلو إدمان يعني مش أي حاجة.
- لا ياختي أنا هاخدها معايا عشان آكلها أنا و آدم سوا بالليل قبل ما ننام بقى و كده. ما انتي عارفة بقى الأكل الحلو بيخلي القعدة الرومانسية في نور القمر أحلى. أشوفك أمس بقى يا حبيبتي عشان ألحق آدم، زمانه جعان.
و انطلقت حواء تحث الخطا في الجنة إلى حيث كان زوجها يجلس كل يوم تحت شجرة الجميز يستريح من لعبة الاستغماية، و شاهدته و هي تقترب من الشجرة مستلقياً على الأرض على جنبه و رأسه مسنود على يده التي أقامها مرتفعة بساعده عن الأرض، و سمعته ينادي بصوت عال:
- فيييييييل... آفيييييييل... تعالله يكرمك عاوزك في خدمة
فحولت بصرها قليلاً لتجد فيلاً على شاطئ النهر على مسافة ليست ببعيدة عن آدم، و سمع الفيل نداء آدم فانطلق نحوه يتهادى بخطى ثقيله و هو يحرك أذنيه ليبرد جسمه الذي كان قد صب عليه ماء كثيراً، و اقتربت حواء أكثر فسمعت آدم يقول:
- معلش يابو الفلافل تاعبينك معانا على طول كده يا برنس. إنّبي الله يكرمك رش حبة ميه علي كده لحسن الجو حر موت النهارده.
فقال الفيل في ضجر و هو يقترب في هدوء:
- يا عم ما أم النهر كله قدامك أهو على بعد كام خطوة. مش قادر تقوم تنزل الميه؟! مش ممكن كل يوم تناديني عشان عاوز تاخد دش و مكسل تنزل النهر.
- معلش يا فلفل إلهي تفرح بعيالك و تشوف زلاليمهم طويلة كده و كبيرة و حاجة تشرف.
- أهو لولا دعوتك للعيال دي على فكرة ما كنتش هاعبرك.
و مد الفيل خرطومه في النهر و ملأه بالماء ثم وجهه نحو آدم و دفع بالماء نحوه فابتل كله و هو يشهق شهقات قصيرة متقطعة من برودة الماء، ثم قال للفيل:
- مشكرين يا كبير. نخدمك يوم فرح عيالك إن شاء الله.
و استدار الفيل و راح إلى حال سبيله في هدوء كما جاء، بينما وصلت حواء إلى آدم تحت الشجرة و الأزهار تزين شعرها الذي انعكست عليه أشعة الشمس الذهبية فصار يلمع، و ابتسامة طفولية تعلو وجهها، و قالت له:
- أنا جيت يا مونامور. وحشتك؟!
- طبعاً يا حياتي. بس إيه الحلاوة دي كلها؟! إيه الشقاوة دي كلها؟! يا أرض احفظي ما عليكي!
- لا بلدي قوي الآخرانية دي يا آدم..!! شفت أنا جبت لك معايا إيه؟
قالتها حواء و هي تمد يدها بالتفاحة إلى آدم مخرجة إياها من السلة التي كانت تحملها، فمد آدم يده و التقط منها التفاحة و اعتدل في جلسته و هو يتأملها، ثم ابتسم و قال:
- تصدقي أنا كنت بأدور على حاجة زي البتاعة دي بقى لي فترة! دي ممكن تضرب الرقم القياسي.
ثم قام آدم واقفاً ممسكاً بالتفاحة في يده و استدار نحو النهر، ثم أحنى إحدى ركبتيه و مد ذراعه الممسك بالتفاحة إلى الخلف، ثم دفع به إلى الأمام بسرعة، تاركة التفاحة لتنطلق نحو سطح الماء، و ما أن ارتطمت به حتى قفزت إلى أعلى و استمرت في الابتعاد، و تكرر ذلك عشر مرات كل منها أصغر من سابقتها، ثم غاصت التفاحة في ماء النهر. و ما أن انتهى آدم من مشاهدة ما حدث حتى قفز في فرحة و صاح:
- هييييييهه... شفتي نطت كام مرة؟! ستة! أنا عديتهم. ما فيش و لا شقفة م اللي رميتهم قبل كده نطت أكتر من ست مرات، و أنا أصلاً جربت شقف بعدد شعر راسي.
ثم التفت ليجد حواء تنظر إليه و فوها فاغر و يبدو على ملامحها مزيج من الدهشة و الإحباط، تحاول أن تنطق بشيء فلا تسعفها الكلمات، و مرت ثوان قليلة كأنها الدهر ثم قالت حواء في استنكار واضح:
- إيه اللي انت عملته ده؟! انت عارف دي كانت إيه؟
- لا مش عارف، بس أنا افتكرتك جايباها لي عشان ألعب بيها بدل الشقف. بس حصل خير يعني، إحنا في الجنة؛ نجيب غيرها عادي ما جراش حاجة. بكره و انتي بتقطفي الفاكهة هاتي واحدة غيرها.
- واحدة غيرها؟! أصلاً دي الوحيدة اللي عرفت أطولها، و انت عارف إني ما بأطلعش شجر. انت لازم تيجي معايا دلوقت نجيب غيرها.
- يا حبيبتي خلاص بكره أروح معاكي نجيب اللي انتي عاوزاه. أنا أصلي النهارده تعبان شوية و عاوز أريح.
قالها آدم و هو يعاود الاستلقاء على الأرض تحت ظل الجميزة، ثم أتبعها بقوله:
- ياللا بينا ناكل لقمة بقى لحسن أنا عصافير بطني بتصوصو.
- مش هاناكل حاجة يا آدم غير لما نجيب تفاحة بدل اللي انت رميتها في المية.
- هي اسمها تفاحة؟ الواحد صحيح كل يوم بيتعلم حاجة جديدة. خلاص بقى ربنا يهديكي نقعد ناكل دلوقت و نجيب غيرها بكره. ده حتى الجميز ده زي العسل. دوقي كده هاتلاقيه طعم قوي.
قال آدم ذلك و هد يمد يده فيلتقط إحدى ثمار الجميز المتساقطة تحت الشجرة و يمسحها بيده ثم يمد يده بها إلى حواء و هو يبتسم. نظرت إليه حواء في غيظ و تحدٍ و قالت:
- آدم..! ما فيش أكل غير لما تجيب تفاحة تانية، عشان تتعلم بعد كده ما ترميش حاجة قبل ما تسأل هي إيه.
- يا بنت الحلال اللي يرضى عليكي أنا راجع من الاستغماية تعبان و عاوز أئنتخ حبتين. خدي بطيخ طيب. أهو البطيخ مدور و فيه لون أحمر زي التفاحة. صحيح الأحمر من جوه بس ما فرقتش كتير يعني. ما تدقيش بقى ع التفاصيل الصغيرة دي. ده النهارده حتى حر و البطيخ يروي.
- تصدق بالله لو ما قمتش دلوقت جيت معايا نروح نجيب تفاحة تانية تحرم عليا ليوم الدين. هاه!
- يا روحي أنا مش عاوزك تزعلي. انتي عارفة أنا ما كانش قصدي أزعلك. هو أنا ليا مين في الجنة دي غيرك انتي؟ أنا ما أقدرش أستغنى عنك يا حوحو.
قالها آدم و قد قام من مرقده و وقف أمام حواء يحدثها في استعطاف، محاولاً أن يضمها إلى صدره بذراعيه، و لكن ما أن لامست يداه كتفيها حتى انتفضت و دفعته بعيداً عنها و هي تقول:
- أوعى كده ما تلمسنيش. يا تيجي معايا دلوقت نجيب التفاحة يا إما هاتنام لوحدك من هنا و رايح.
وقف آدم يفكر لوهلة قصيرة، و قارن سريعاً عناء الطريق إلى شجرة التفاح و العودة بمعاناة النوم وحيداً و البعد عن حواء ليوم الدين، و كأنه سمع صوت هرمون الأندروجين يصرخ في أذنيه منتهراً إياه لكسله و محذراً من احتقان غدة البروستاتا، و حزم أمره بسرعة و بدون تردد، و قال:
- أمري لله... ياللا يا ستي نروح نجيب التفاحة.
و ذهب آدم مع حواء إلى شجرة التفاح، و قطفا منها و أكلا، فطُردا من الجنة، و إلى اليوم يتكرر هذا الحدث بتنويعات مختلفة و متعددة مع ثبات الغرائز الأساسية التي أدت إليه. الله يقطع البروستاتا و سنينها!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق