الثلاثاء، 15 أكتوبر 2013

قصة البشرية

هذه القصة خيالية هزلية لا يُقصد بها أشخاص معينون و لا عقائد معينة، فإن كنت تفتقد لروح الفكاهة و تعاني من حساسية مفرطة لكل ما يمس أي معتقد ديني، فالله يكرمك لم خلجاتك و اتكل على الله من هنه مش ناجصاك هيا.

كان آدم جالساً في الجنة وقت القيلولة على شاطئ النهر تحت ظلال شجرة الجميز فارعة الأفرع، و كانت الشجرة ممتلئة بثمار الجميز الناضجة الشهية، و على مقربة من آدم و في متناول يده، كانت على الأرض زرعة بطيخ رملي فاخر، و كانت هي الأخرى ممتلئة بثمار البطيخ الناضجة، و كان اليوم حاراً و الشمس ساطعة، و كان آدم قد عاد لتوه من رحلة سفاري إلى غابات الجنة شاهد فيها الحيوانات المختلفة و لعب مع القرود لعبة الاستغماية وسط أشجار الصنوبر الشاهقة التي ارتفعت فوق حشائش السافانا المرتفعة، ففي الجنة كان كل شيء ممكناً: السافانا تحت أشجار الصنوبر، و كل الحيوانات أليفة وديعة تلعب مع آدم كل يوم لتسليه و ترفه عنه، و كانت لعبة الاستغماية قد أرهقت آدم، إذ أن القرود كانت تختبئ منه في أفرع الصنوبر العالية فيضطر آدم إلى تسلق الشجر للإمساك بها، و كان النسيم العليل الذي يهب من جهة النهر يلطف درجة الحرارة و يجعل آدم مسترخياً مستمتعاً بجلسته تحت شجرة الجميز.

في الوقت ذاته كانت حواء تتمشى في الجهة الأخرى من الجنة حيث الحدائق و أشجار الفاكهة، و كانت تحمل سلتها التي صنعتها من البوص و تنتقي من فاكهة الجنة ما طاب لها فتضعها في السلة، و تقطف من أزهار الجنة ما راق لها و تغرسها في شعرها الأسود الغزير المنسدل على كتفيها لتتزين بها، و هي تغني "حبك جننا يا اسمك إيه" و تفكر في الوقت الرومانسي الجميل الذي ستقضيه مع آدم الذي تتزين له، و خاصة بعدما يأكل حتى تمتلأ معدته من الفاكهة و يتجشأ بصوت عال كعادته، و فيما هي تمشي في حدائق الجنة مرت بجوار شجرة تفاح أمريكاني، فاستهواها لونه الأحمر و تعلق نظرها به في حين كانت تمشي غير ملتفتة لموطئ قدميها، و إذ بها تشعر بشيء تحت قدمها اليسرى و تسمع:

- آاااي... لسااااني... لسااااني... آه يانا يامه يا لساني

نظرت حواء في ارتياع للأرض تحتها فوجدت حية رقطاء صلعاء تبكي و هي تصرخ و لسانها مدلى خارج فمها و قد انشق نصفين و راح ينزف دماء غزيرة، فانحنت حواء تربت عليها و حملتها على ذراعيها في مزيج من الرأفة و الحزن و الألم و تأنيب الضمير.

- يا ربي... يا ربي... يقطعني ياختي ما كنتش أقصد. و النعمة الشريفة دي على عيني ما شفتك.

قالت حواء ذلك و هي ترفع برتقالة و تضعها أمام عينيها ثم تمسح دموع الحية، ثم مدت يدها فأمسكت بلسان الحية من حيث انشق و ضغطت عليه بين إبهامها و سبابتها و هي تقول:

- خليني أكبس لك الجرح عشان النزيف يقف. يا ريتنا كنا جنب شجر البن، لكن ده بعيد.

و بعد فترة قصيرة توقف النزيف و كفكفت الحية دموعها ثم أخرجت لسانها المشقوق خارج فمها و نظرت إليه في ألم و قالت بنبرة يملؤها الحزن و بلثغة سببها انشقاق اللسان:

- مش عارفة هاكل تفاح إزاي تاني أنا كده.

- هو إيه التفاح ده؟

- الفاكهة اللي هناك دي ع الشجرة، الحمرا الملعلطة دي اللي شكلها يفرح القلب، دي طعمها لذيذ فشخ.

- بس إحنا مش المفروض ناكل من الفاكهة دي. إحنا واخدين تعليمات صريحة بكده.

- انتي بتصدقي برضه الكلام ده يا أختي؟ ده تلاقي بس عشان ما تخلصوش التفاح اللي في الجنة. أصل ما فيش غير الشجرة دي أصلاً و الاستيراد ممنوع، و البيه جوزك بسم الله ما شاء الله عليه بياكل أكل الوحوش. أنا شفته مرة و هو بياكل اتخضيت و جريت لياكلني. هو ما بيتخنش إزاي؟

- هايتخن إزاي و هو كل يوم يروح يلعب استغماية مع القرود و يرجع حيله مهدود؟! ده بيحرق له بتاع مليون سعر حراري في اليوم. بس قولي لي... هو التفاح ده حلو قوي يعني؟

- يا خراشي عليه و على جماله و حلاوته و طعامته. ده أنا بآكل التفاحة من دول بأفضل بعدها سعيدة و مزقططة يطلع شهرين. دي ريحته ترد الروح و النبي يا أختي. حتى شميه كده لو ما كنتيش مصدقة.

اقتربت حواء من شجرة التفاح الأمريكاني و هي تنظر إليها في إعجاب و وله، و عجبت لأنها لم تر الشجرة بمثل هذا الجمال من قبل، جالت بنظرها في الشجرة لتبحث عن تفاحة في متناول يدها، فلم تجد إلا واحدة، فمدت يدها و أخذتها فتأملتها لوهلة ثم أدنتها من أنفها و أغلقت عينيها و تنفست نفساً عميقاً لتشتم رائحتها، فابتسمت حين داعبت الرائحة أنفها، و التفتت إلى الحية قائلة:

- تصدقي معاكي حق! أنا مش عارفة كنت عايشة إزاي من غير التفاح ده.

- دوقيها بقى كده و قولي لي رأيك في الطعم. هاتلاقيه حلو إدمان يعني مش أي حاجة.

- لا ياختي أنا هاخدها معايا عشان آكلها أنا و آدم سوا بالليل قبل ما ننام بقى و كده. ما انتي عارفة بقى الأكل الحلو بيخلي القعدة الرومانسية في نور القمر أحلى. أشوفك أمس بقى يا حبيبتي عشان ألحق آدم، زمانه جعان.

و انطلقت حواء تحث الخطا في الجنة إلى حيث كان زوجها يجلس كل يوم تحت شجرة الجميز يستريح من لعبة الاستغماية، و شاهدته و هي تقترب من الشجرة مستلقياً على الأرض على جنبه و رأسه مسنود على يده التي أقامها مرتفعة بساعده عن الأرض، و سمعته ينادي بصوت عال:

- فيييييييل... آفيييييييل... تعالله يكرمك عاوزك في خدمة

فحولت بصرها قليلاً لتجد فيلاً على شاطئ النهر على مسافة ليست ببعيدة عن آدم، و سمع الفيل نداء آدم فانطلق نحوه يتهادى بخطى ثقيله و هو يحرك أذنيه ليبرد جسمه الذي كان قد صب عليه ماء كثيراً، و اقتربت حواء أكثر فسمعت آدم يقول:

- معلش يابو الفلافل تاعبينك معانا على طول كده يا برنس. إنّبي الله يكرمك رش حبة ميه علي كده لحسن الجو حر موت النهارده.

فقال الفيل في ضجر و هو يقترب في هدوء:

- يا عم ما أم النهر كله قدامك أهو على بعد كام خطوة. مش قادر تقوم تنزل الميه؟! مش ممكن كل يوم تناديني عشان عاوز تاخد دش و مكسل تنزل النهر.

- معلش يا فلفل إلهي تفرح بعيالك و تشوف زلاليمهم طويلة كده و كبيرة و حاجة تشرف.

- أهو لولا دعوتك للعيال دي على فكرة ما كنتش هاعبرك.

و مد الفيل خرطومه في النهر و ملأه بالماء ثم وجهه نحو آدم و دفع بالماء نحوه فابتل كله و هو يشهق شهقات قصيرة متقطعة من برودة الماء، ثم قال للفيل:

- مشكرين يا كبير. نخدمك يوم فرح عيالك إن شاء الله.

و استدار الفيل و راح إلى حال سبيله في هدوء كما جاء، بينما وصلت حواء إلى آدم تحت الشجرة و الأزهار تزين شعرها الذي انعكست عليه أشعة الشمس الذهبية فصار يلمع، و ابتسامة طفولية تعلو وجهها، و قالت له:

- أنا جيت يا مونامور. وحشتك؟!

- طبعاً يا حياتي. بس إيه الحلاوة دي كلها؟! إيه الشقاوة دي كلها؟! يا أرض احفظي ما عليكي!

- لا بلدي قوي الآخرانية دي يا آدم..!! شفت أنا جبت لك معايا إيه؟

قالتها حواء و هي تمد يدها بالتفاحة إلى آدم مخرجة إياها من السلة التي كانت تحملها، فمد آدم يده و التقط منها التفاحة و اعتدل في جلسته و هو يتأملها، ثم ابتسم و قال:

- تصدقي أنا كنت بأدور على حاجة زي البتاعة دي بقى لي فترة! دي ممكن تضرب الرقم القياسي.

ثم قام آدم واقفاً ممسكاً بالتفاحة في يده و استدار نحو النهر، ثم أحنى إحدى ركبتيه و مد ذراعه الممسك بالتفاحة إلى الخلف، ثم دفع به إلى الأمام بسرعة، تاركة التفاحة لتنطلق نحو سطح الماء، و ما أن ارتطمت به حتى قفزت إلى أعلى و استمرت في الابتعاد، و تكرر ذلك عشر مرات كل منها أصغر من سابقتها، ثم غاصت التفاحة في ماء النهر. و ما أن انتهى آدم من مشاهدة ما حدث حتى قفز في فرحة و صاح:

- هييييييهه... شفتي نطت كام مرة؟! ستة! أنا عديتهم. ما فيش و لا شقفة م اللي رميتهم قبل كده نطت أكتر من ست مرات، و أنا أصلاً جربت شقف بعدد شعر راسي.

ثم التفت ليجد حواء تنظر إليه و فوها فاغر و يبدو على ملامحها مزيج من الدهشة و الإحباط، تحاول أن تنطق بشيء فلا تسعفها الكلمات، و مرت ثوان قليلة كأنها الدهر ثم قالت حواء في استنكار واضح:

- إيه اللي انت عملته ده؟! انت عارف دي كانت إيه؟

- لا مش عارف، بس أنا افتكرتك جايباها لي عشان ألعب بيها بدل الشقف. بس حصل خير يعني، إحنا في الجنة؛ نجيب غيرها عادي ما جراش حاجة. بكره و انتي بتقطفي الفاكهة هاتي واحدة غيرها.

- واحدة غيرها؟! أصلاً دي الوحيدة اللي عرفت أطولها، و انت عارف إني ما بأطلعش شجر. انت لازم تيجي معايا دلوقت نجيب غيرها.

- يا حبيبتي خلاص بكره أروح معاكي نجيب اللي انتي عاوزاه. أنا أصلي النهارده تعبان شوية و عاوز أريح.

قالها آدم و هو يعاود الاستلقاء على الأرض تحت ظل الجميزة، ثم أتبعها بقوله:

- ياللا بينا ناكل لقمة بقى لحسن أنا عصافير بطني بتصوصو.

- مش هاناكل حاجة يا آدم غير لما نجيب تفاحة بدل اللي انت رميتها في المية.

- هي اسمها تفاحة؟ الواحد صحيح كل يوم بيتعلم حاجة جديدة. خلاص بقى ربنا يهديكي نقعد ناكل دلوقت و نجيب غيرها بكره. ده حتى الجميز ده زي العسل. دوقي كده هاتلاقيه طعم قوي.

قال آدم ذلك و هد يمد يده فيلتقط إحدى ثمار الجميز المتساقطة تحت الشجرة و يمسحها بيده ثم يمد يده بها إلى حواء و هو يبتسم. نظرت إليه حواء في غيظ و تحدٍ و قالت:

- آدم..! ما فيش أكل غير لما تجيب تفاحة تانية، عشان تتعلم بعد كده ما ترميش حاجة قبل ما تسأل هي إيه.

- يا بنت الحلال اللي يرضى عليكي أنا راجع من الاستغماية تعبان و عاوز أئنتخ حبتين. خدي بطيخ طيب. أهو البطيخ مدور و فيه لون أحمر زي التفاحة. صحيح الأحمر من جوه بس ما فرقتش كتير يعني. ما تدقيش بقى ع التفاصيل الصغيرة دي. ده النهارده حتى حر و البطيخ يروي.

- تصدق بالله لو ما قمتش دلوقت جيت معايا نروح نجيب تفاحة تانية تحرم عليا ليوم الدين. هاه!

- يا روحي أنا مش عاوزك تزعلي. انتي عارفة أنا ما كانش قصدي أزعلك. هو أنا ليا مين في الجنة دي غيرك انتي؟ أنا ما أقدرش أستغنى عنك يا حوحو.

قالها آدم و قد قام من مرقده و وقف أمام حواء يحدثها في استعطاف، محاولاً أن يضمها إلى صدره بذراعيه، و لكن ما أن لامست يداه كتفيها حتى انتفضت و دفعته بعيداً عنها و هي تقول:

- أوعى كده ما تلمسنيش. يا تيجي معايا دلوقت نجيب التفاحة يا إما هاتنام لوحدك من هنا و رايح.

وقف آدم يفكر لوهلة قصيرة، و قارن سريعاً عناء الطريق إلى شجرة التفاح و العودة بمعاناة النوم وحيداً و البعد عن حواء ليوم الدين، و كأنه سمع صوت هرمون الأندروجين يصرخ في أذنيه منتهراً إياه لكسله و محذراً من احتقان غدة البروستاتا، و حزم أمره بسرعة و بدون تردد، و قال:

- أمري لله... ياللا يا ستي نروح نجيب التفاحة.

و ذهب آدم مع حواء إلى شجرة التفاح، و قطفا منها و أكلا، فطُردا من الجنة، و إلى اليوم يتكرر هذا الحدث بتنويعات مختلفة و متعددة مع ثبات الغرائز الأساسية التي أدت إليه. الله يقطع البروستاتا و سنينها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التسميات

٢٥ يناير (29) آدم (1) اخوان مسلمين (15) استشهاد (1) إسلام (26) الأنبا بيشوي (1) الأنبا تاوضروس (1) البابا شنودة (3) البرادعي (2) إلحاد (1) الداخلية (5) الفريق أحمد شفيق (6) الفريق سامي عنان (1) الم (2) المجلس العسكري (14) انتخابات الرئاسة (9) ايمان البحر درويش (1) برلمان (7) بلطجي (7) بولس رمزي (1) بيرم التونسي (1) تعريص (4) تمييز (2) توضيح (35) توفيق عكاشة (2) ثورة (33) ثيؤقراطية (6) جزمة (2) حازم شومان (2) حازم صلاح أبو إسماعيل (2) حب (4) حجاب (1) حرية (18) حزن (3) حواء (1) خواطر (33) خيانة (5) دستور (4) ديمقراطية (13) دين (37) زجل (3) سلفيين (15) سياسة (23) سيد درويش (1) شائعات (3) شرح (25) شرطة (5) شرع (7) شريعة (7) شهيد (5) صور (3) طنطاوي (7) عبد الفتاح السيسي (1) عبد المنعم الشحات (2) عتاب (1) عصام شرف (1) عصمت زقلمة (1) عقيدة (16) علمانية (13) عنف (7) عيد الميلاد (1) غزل (3) غناء (1) فلسفة (1) فوتوشوب (1) فوضى (3) قباحة (8) قبط (21) قصة (3) كنيسة (17) ماريز تادرس (1) مبارك (2) مجلس شعب (7) مرسي العياط (3) مرشد (5) مسيحية (28) مصر (51) معارضة (7) منطق (11) مواطنة (20) موريس صادق (1) نجيب جبرائيل (1) نفاق (1) نقد (36) وحي (1)