في هذه المقالة أكتب بعض التعريفات البسيطة لإخوتي من غير المسيحيين (و ربما بعض المسيحيين أيضاً) بمناسبة اختيار الأنبا تاوضروس بطريركاً للأقباط. الأنبا تاوضروس هو الآن البطريرك (أو إختصاراً البطرك) رقم ١١٨، بطريرك الإسكندرية الجالس على كرسي مار مرقس الرسول الإنجيلي. فما هو البطرك و ما هو الكرسي و من هو مار مرقس؟
مبدئياً، فالبطريرك هي كلمة يونانية Patriarch أو πατριάρχων و تنطق بالعربية "باتريارخون" و هي مكونة من قسمين، الأول هو Patri- و يعني السلالة من جهة الأب و هو مأخوذ من اليونانية πατριά و الثاني هو -arch و يعني رئيس و هو مأخوذ من اليونانية ἄρχων، أي أنها تعني رئيس الآباء. الكاهن في الكنيسة هو أب مسئول عن رعيته بالمعنى الروحي، و البطريرك هو رئيس الكهنة (أو رئيس الآباء)، و تختصر في العربية إلى كلمة بطرك لأن اللغة العربية تشتق كل كلماتها من ثلاثة أو أربعة أحرف.
مار مرقس (أو القديس مرقس) هو مرقس رسول السيد المسيح، و كلمة مار هي كلمة سريانية آرامية تعني "سيدي" و جرى العرف على وضعها كلقب أمام أسماء آباء الكنيسة و قديسيها. كان الرسل في بداية عصور الكنيسة يجتمعون في بيوت المؤمنين، و كان بيت مرقس الرسول من هذه البيوت [أع ١٢ : ١٢] و يحكي لنا تقليد الكنيسة أن بيت مرقس الرسول هو المكان الذي اجتمع فيه السيد المسيح مع تلاميذه وقت العشاء الأخير و هو نفسه المكان الذي حل في الروح القدس على التلاميذ بعد صعود السيد المسيح، و عليه يعتبر بيت مرقس الرسول أول مبنى كنيسة في تاريخ المسيحية، و بدأ مرقس الرسول خدمته التبشيرية مع بولس (المدعو شاول سابقاً) و برنابا [أع ١٢ : ٢٥] ذاهباً إلى أنطاكية، ثم رحل مع خاله برنابا [كو ٤ : ١٠] من هناك إلى جزيرة قبرص [أع ١٥ : ٣٩] و ذكره بولس الرسول في رسائله [٢ تي ٤ : ١١؛ فل ١ : ٢٤] و كذلك بطرس الرسول أيضاً [١ بط ٥ : ١٣].
و يحكي لنا تاريخ الكنيسة أن مرقس الرسول بدأ تبشيره في الخمس مدن الغربية (ليبيا حالياً) ثم جاء إلى الإسكندرية (التي كانت تعد عاصمة مصر في ذلك الأوان)، على الأرجح حوالي عام ٦٠ للميلاد، و بشر فيها بالمسيحية و أسس الكنيسة القبطية، و استشهد بقطع الرأس في عام ٦٨ للميلاد، و تعتبره الكنيسة القبطية أول بطريرك لها. و كتب لنا مرقس الرسول الإنجيل بحسب ما عاصره و بحسب ما أرشده الروح القدس ليكتب، فترك لنا الإنجيل بحسب ما كتبه مرقس الذي يعرف اختصاراً بإنجيل مرقس، و هو أحد الأناجيل الأربعة التي اعترفت بها الكنائس كلها منذ العصور الأولى للمسيحية.
و عليه فإن كل من يخلفه في رئاسة الكنيسة القبطية يقال أنه يجلس على كرسي مار مرقس الرسول الإنجيلي، و يقال أيضاً أنه بطريرك الإسكندرية لأن الكنيسة تأسست أولاً في الإسكندرية. و تصور الكنيسة القديس مرقس يجلس بجوار أسد و يمسك في يده الإنجيل، و الأسباب التي يصور فيها مار مرقس بجوار الأسد كثيرة لا مجال هنا لذكرها، و لكن في العموم يعتبر الأسد رمزاً لمار مرقس الرسول، و عليه أيضاً فإن كرسي البطريرك يوضع أمامه بشكل أو بآخر تمثالين لأسدين (رمزاً لمرقس الرسول و ليس لكوبري قصر النيل و ليسا من قبيل التفاخر بالقوة).
و يتم اختيار البطريرك الجديد بعد نياحة سابقه عن طريق القرعة الهيكلية. يختار أراخنة (أي رؤساء) شعب الكنيسة من يرشحون لمنصب البطريرك، ثم تجرى قرعة بينهم بعد فترة صوم و صلاة للكنيسة كلها، فتكون الكلمة الفاصلة في اختيار البطريرك الجديد هي كلمة الله و ليست كلمة البشر. و نرى طقوس القرعة الهيكلية في الفيديو المجاور الذي يوضح كيف تم اختيار البابا تاوضروس البطريرك المئة و الثامن عشر خلفاً لمار مرقس الرسول الإنجيلي، ثبته الله على كرسيه أزمنة سلامية هادئة و وهبه الحكمة لقيادة الكنيسة القبطية.
مبارك يا أبي الأنبا تاوضروس خليفة مار مرقس الرسول.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق