نفرض مثلاً إن فيه واحد إتعازم و لزق زميله في الجامعة قلم على قفاه. حا تحصل مشكلة طبعاً و خناقة و أكيد اللي لزق زميله على قفاه غلطان و لازم يعتذر. و ممكن الموضوع يعدي بالاعتذار و الحبايب يخلصوا الليلة على كده. طيب لو نفس الواحد ده هو هو بغباوته إتعازم و لزق أستاذ في الجامعة قلم على قفاه، حا يكون الموقف إيه؟ أكيد طبعاً الموضوع مش حا يعدي بإعتذار و تطييب خاطر، و لازم حا يكون فيه عقاب. و لو فيه حد ابن حلال عاوز يتدخل علشان يحل الأزمة أكيد مش حا يكون واحد من الطلبة. أكيد الموضوع ده محتاج تدخل أستاذ في الجامعة برضه. طيب فرضنا إن نفس الجدع ده هو هو بغباوته لزق وزير التعليم العالي قلم على قفاه، حا يحصل إيه؟ حا تبقى مشكلة كبيرة طبعاً و مش حا تعدي من غير عقاب على جنحة التعدي و الموضوع حا يكون أكبر، و لو فيه أدنى أمل إن حد يتدخل في الموضوع لتخفيف العقاب أو حل المشكلة أكيد مش حا يكون أقل كتير من رتبة الوزير. طيب لو هو نفس الغبي لزق رئيس الجمهورية على قفاه؟ دي حا أسيبها لتخيلكم.
الغرض من التشبيه السابق إيه (و هو مجرد تشبيه و لا ينطبق بالحرف على المشبه)؟ الغرض إنه في جميع الأحوال الجدع الغبي ده هو هو نفسه بغبوته بوشه العكر، و القلم اللي إتعازم و لزقه على القفا هو هو القلم نفسه، لكن حجم "الجرم" إن صح التعبير يختلف بإختلاف مقام الشخص الذي أخطئ في حقه. كلما زاد مقام المخطأ في حقه و مكانته، كلما زاد حجم الجرم، و كلما أصبح من الضروري أن يتدخل من له من المقام ما يناسب حجم المخطأ في حقه لحل المشكلة أو تخفيف العقاب. و بالرغم من أنه في القانون البشري الخطأ واحد و العقاب على الخطأ يندرج تحت مادة بذاتها من القانون، غير أنه أيضاً في العرف البشري الاهتمام الذي سيأخذه الخطأ من المجتمع سيتناسب مع حجم المخطأ في حقه، و ربما كانت العقوبة القانونية التي سيحكم بها على المخطئ مشددة في حالة سمو منصب و مقام المخطأ في حقه و ليست مشددة في حالة أن المخطأ في حقه إنسان متوسط أو عادي المقام.
من الآخر كده، الخطأ الواحد من نفس الشخص الواحد يتخذ حجماً مختلفاً يتناسب مع مقام المخطأ في حقه.
و عندما عصى آدم و حواء الله في الجنة و أكل من الشجرة التي منعه الله أن يأكل منها، فقد أخطأ آدم و حواء في حق اللانهائي (الله) و صار جرمهما لا نهائياً بما يتناسب مع مقام الله اللانهائي. الخطأ اللانهائي حلت عقوبته بآدم و حواء و نسلهما إلى ما لا نهاية. و صار من المستحيل أن يتدخل من هو "محدود" ليكفر عن خطأ غير محدود أو يشفع عند الله لغفران هذا الخطأ غير المحدود.
و بما أن الله قال لهما "لا تأكلا منه و لا تمساه لئلا تموتا"، فقد كان عدل الله يقتضي أن ينفذ الحكم في آدم و حواء بالموت (و هو ليس الموت الجسدي فقط، و لكنه الموت الأبدي في الجحيم بعيداً عن الله، أي موت الروح لانهائياً في الزمن بعيداً عن الله مصدر كل حياة). و بما أن رحمة الله تقتضي المغفرة و حب الله يقتضي ألا يدع الإنسان يهلك في الجحيم إلى الأبد، فقد صارت هناك اشكالية أو "تضارب شكلي" على الأقل بين صفات الله الأصيلة.
و كان الحل هو الفداء، لكن من يفدي من؟ العدل يقتضي أن ينفذ الحكم في بني البشر كما قال الله في البدء، و لكن من يفتدي البشر يجب أن يكون لانهائياً لكي يكفر عن الذنب اللانهائي، و ليس هناك من البشر من هو لا نهائي. و لذلك إتخذ الله جسد إنسان و ظهر على الأرض في طبيعة منفردة لم و لن تتكرر في التاريخ، ظهر كإنسان كامل و إله كامل، و هو شخص السيد المسيح. في طبيعته الإنسانية يتحقق العدل في أن ينفذ الحكم على الإنسان، و في طبيعته الإلهية يتحقق العدل في أن يكون الفادي لانهائياً.
و في الفداء يتلقى العدل مع الرحمة و المحبة. و في ذلك نضرب مثل قاضي عادل أخطأ ابنه و إستحق بالعدل أربعين جلدة. و أتي بالإبن للقاضي ليحكم في أمره. عدل القاضي يقتضي أن يحكم عليه بالأربعين جلدة، و رحمته و محبته تمنعه من أن يحكم على ابنه بالجلد. و كانت النتيجة أن القاضي يحكم على ابنه بالجلد طبقاً لما تقتضيه العدالة، ثم ينزل من على كرسي القضاء و يعري ظهره للجلد و يتحمل العقوبة نيابة عن ابنه.
و بموت السيد المسيح على الصليب تحمل خطية بني البشر منذ آدم و حواء و حتى إنتهاء الدهر، لأن السيد المسيح كإله كامل هو ذو طبيعة لانهائية، و موته على الصليب هو كفارة لانهائية لمن يؤمن به و بموته خلاصاً و غفراناً للخطايا.
و الموت في حد ذاته لا يكون له أدنى معنى من دون القيامة، فلو كان السيد المسيح مات و لم يقم، فهو مثله مثل أي إنسان على وجه الأرض. لكن السيد المسيح مات و دخل الجحيم "منتصراً" فحرر أرواح الصديقين المنتظرين منذ البدء على رجاء القيامة، و لم يدخل الجحيم مقهوراً مهزوماً مثل كل بني الإنسان، و لم "يحبس" في الجحيم مثل كل من ماتوا من قبل. دخل الجحيم و خرج منه و معه "كل أرواح الصديقين الذين رقدوا منذ البدء" و ذهب بهم للفردوس حيث ينتظرون يوم الدينونة ليسكنوا في ملكوت السموات مع السيد المسيح. بعدما مات السيد المسيح على الصليب قام من نفسه و بقوته و لم ينتظر من يقيمه من الأموات. قام السيد المسيح بقدرته و قوته لأنه الله القادر على كل شيء.
عندما مات السيد المسيح على الصليب، لم يمت الله. السيد المسيح ليس هو الله فقط، و لا هو إنسان فقط، بل هو الله الظاهر في الجسد، و هو إله كامل و إنسان كامل في طبيعة ممتزجة إمتزاجاً كاملاً لم و لن يحدث له مثيل. و مثلما قلنا أن ظهور الله في الجسد في شخص السيد المسيح لم يعن أن الله صار محدوداً في ذلك الجسد، نقول أيضاً أن موت السيد المسيح على الصليب لا يعني أن الله قد مات على الصليب.
موت السيد المسيح على الصليب و قيامته من الأموات هي الركيزة الأساسية في الإيمان المسيحي، و من لا يؤمن بموت السيد المسيح و قيامته لا يطلق عليه "مسيحي". كل الطوائف المسيحية على اختلافها، حتى الطوائف التي ابتعدت عن التعاليم المسيحية القويمة و الغت الكهنوت و تمادى البعض منها فأباح زواج المثليين (و هو مرفوض شكلاً و موضوعاً في التعليم المسيحي القويم)، كل هذه الطوائف تجمع على موت السيد المسيح على الصليب و قيامته من الأموات بذاته كأساس للخلاص و الفداء في المسيحية.
أخيراً... أنا مش باقول لحد آمن بالمسيحية و لا باللي باقوله في النوت دي. أنا باشرح إيمان المسيحيين. و مش باناقش الإيمان، أنا باشرحه بس. أنا متأكد إن فيه ناس كتير حا تشوف إن الكلام ده غير منطقي أو إنه كفر أو هبل أو أي حاجة. مش مشكلة أبداً. كل واحد حر في رأيه و في عقيدته يا أعزائي. ده بس كان للتوضيح علشان لو فيه حد نفسه يعرف إيه عيد القيامة.
اقرأ أيضاً مفاهيم مسيحية أخرى في هذا الرابط.
و كل سنة و كل الناس في كل حتة في العالم بخير و أمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق