الأحد، 13 فبراير 2011

دينية أم علمانية ... ثيئوقراطية أم ديموقراطية

انزاحت الغمة ... الحمد لله انزاحت الغمة و ستعود الحياة في أرجاء المحروسة إلى ما كانت عليه و أفضل إن شاء الله ، و حان الوقت اﻵن ﻷن نعيد النظر في ما كنا عليه و نتفكر فيما يمكن أن نعدله ليتيح لنا أن نتقدم للأمام و نعود فنقود العالم . ربما يكاد يجمع الشعب المصري على أن الدستور الحالي دستور فاسد و يجب تعديله ليحد من سلطات رئيس الجمهورية و يعطي المزيد من السلطات للشعب و نوابه المنتخبين عنه ، و يجب أيضاً تعديله ليتيح لكل مواطن شريف مؤهل أن يرشح نفسه لعضوية مجلس الشعب أو الشورى أو رئاسة الجمهورية ، و يجب أن نتعلم من أخطاء الماضي و نستشير فقهاء القانون و الدستور من الوطنيين و نسترشد برأيهم كيلا نحتاج أن نغير الدستور مراراً و تكراراً ، فالدستور هو ما يحكم اﻷمة كلها و ينظم ما فيها و ترجع إليه القوانين و الشرعية

و يواجهنا سؤال مُلِحٌ ، و هو ما هو نوع الدولة التي نريد أن تكونها مصر ؟ أهي دولة دينية تحتكم إلى الدين في كل كبيرة و صغيرة ، أم هي دولة علمانية تحتكم فقط إلى العقل و المنطق ؟ و لكي نكون على دراية بالمصطلحات ، فالعلمانية هي فصل الدولة كنشاط سياسي و عمل اجتماعي عن الدين ، و ﻻ أعني بالعمل اﻻجتماعي المجتمع ، فالفرق كبير ... العمل اﻻجتماعي يشمل التوعية و اﻹرشاد و دراسة الحالة اﻻجتماعية و المادية للأسر الفقيرة لمساعدتها و ما هو من هذا القبيل من أعمال تهدف إلى مساندة المجتمع و الرقي به و بأفراده ، أما المجتمع فهو اﻷفراد ذاتهم ، و الدولة العلمانية ﻻ تُحَرِّم و ﻻ تمنع الدين أو التدين ، بل على العكس فإن الدول العلمانية تحترم النواحي الدينية و الروحانية ﻷفراد المجتمع دون أدنى تمييز ﻷحد عن اﻵخر ، حتى لو كان هذا الفرد ﻻ يؤمن على اﻹطلاق بالله تعالى بأي شكل (و هم من نطلق عليهم جمعاً لفظ ملحدين)

نهلل للدول الغربية العلمانية التي فصلت الكنيسة عن الدولة حين نتحدث عن أخطاء الكنيسة في الماضي و نستعير مصطلحات و أسماء مثل ’صكوك الغفران‘ و ’محاكم التفتيش‘ و ’الحروب الصليبية‘ لنعضد بها رأينا ، و نَسُبّ تلك الدول ذاتها أقذع السباب و ندعو عليهم بالخراب و نستعير مصطلحات و أسماء مثل ’اﻻنحلال الجنسي‘ و ’سيطرة المادة‘ و ’ازدراء اﻷديان‘ (من وجهة نظرنا بالطبع) لنعضد بها رأينا ، فأين نحن من هذه الدول ؟ هل نحن نؤيد العلمانية و فصل الدين عن الدولة أم نعارضها ؟ هل نحن مع فصل الكنيسة عن الدولة ﻷن مصر بلد بها أغلبية مسلمة أم مع فصل الدين عموماً عن الدولة ؟ هل نريد الحرية للجميع أم سنرتدي نفس الثوب البالي الذي كنا نرتديه من قبل ؟ هل نفهم حقاً ما نردده عن تلك الدول و هل نحن متأكدون منه أم أننا نردد ما يمليه علينا اﻹعلام و ما يبث في آذاننا ليل نهار من أهل الدين ؟

قبل أن ترد على هذه اﻷسئلة أرجو أن تفكر جيداً و تقرأ المقال حتى آخره ، كما أرجو أﻻ تجعل تمسكك بالدين (و هو محمود و مرغوب) يسيطر على تفكيرك المنطقي ، و أفترض لاطبع أن من يقرأ المقال على قدر كاف من الثقافة و الوعي ليفهم ما أقول ، و أفترض أيضاً أن من يعرفني و يعرف مواقفي السابقة سيقرأ المقال بمنظور مختلف عمن ﻻ يعرفني .

السؤال اﻷول : لماذا نفصل الدين عن سياسة الدولة ؟

الدين ﻻ يعدو كونه قناعة شخصية بمجموعة من المعتقدات بدون دليل واضح غير قابل للتشكيك في صحة هذه المعتقدات . مهلاً عزيزي ، فأنا ﻻ أتجنى على الدين و ﻻ أتحدث عن دين بذاته ، و إنما أعمم الحديث على كل اﻷديان ، و لو وجد الدليل الدامغ لما صار الدين ديناً و لتحول إلى نظرية علمية مثبتة و لصار كل البشر على دين واحد (أو نظرية واحدة) ، و لكن الحال ليس كذلك ... أنت مقتنع أن دينك هو الصحيح ، و غيرك ممن يختلف معك في الدين مقتنع أن دينه هو الصحيح ، و يمكن لكما أن تتجادﻻ و تتناقشا حتى يوم الدين دون أن يقنع أحدكما اﻵخر .

و لكن كلاكما مواطن في وطن واحد تحت سماء واحدة و على أرض واحدة ، تتكلمان لغة واحدة و لكما مصالح عامة واحدة ، تاريخكما واحد و مستقبلكما واحد ، و يفترض أن يكون لكما نفس الحقوق و عليكما نفس الواجبات الواحدة في الوطن الواحد ، فصار ما يجمعكما أكثر بكثير مما يفرقكما (و هو القناعة الشخصية البحتة بدين ما) ، و وجب أﻻ يكون لما يفرقكما صوت في سياسة الوطن أو قوانينه يعلو على صوت ما يجمعكما . قد يغير أحدكما أو كلاكما دينه ، و لكن تظل الثوابت التي تجمعكما راسخة ﻻ تتغير ، فكيف نعلي ما قد يتغير على ما هو ثابت ؟

أرجو أﻻ تجادل أن الدين ثابت ﻻ يتغير ، فهذه ليست حقيقة ، و يمكن للباحث أن يرجع ﻷي دين على وجه اﻷرض و سيجد أن هناك فيه ما قد تغير مع الزمن ، باﻹضافة إلى أن الدين كقناعة شخصية قد يتغير ، و اﻷدلة ما أكثرها ، و لكن من شبه المستحيل أن ينسى إنسان لغته اﻷم ، أو أن يمحو من ذاكرته ذكريات طفولته و شبابه ، أو أن يمحو من عقله الثقافة التي نشأ عليها كلية و يستبدلها بأخرى جديدة تختلف عنها شكلاً و مضموناً . إّن من تربى و شبّ في مصر من أبوين مصريين سيظل مصرياً أبداً ، حتى و إن قرر أن يغير ديانته .

السؤال الثاني : اﻷغلبية في مصر مسلمة ، فهل وصفها بالدولة المسلمة فيه جور على أحد ؟

السؤال اﻷول يجيب عن جزء من السؤال الثاني . أما عن وصف الدولة المصرية بالمسلمة لوجود أغلبية مسلمة فليس فيه جور على أحد على اﻹطلاق ، و لكن ذلك صحيح إن توقفنا عند حد الوصف . الكثيرون يصفون بعض الدول الغربية العلمانية بأنها دول مسيحية ﻷن أغلب مواطنيها ممن يدينون بالمسيحية ، و لكن تلك الدول تعمل طبقاً لدستور علماني وضعه مواطنوها المسيحيون . الدستور يحدد الحقوق و الواجبات و ﻻ يجب أن يحدد المعتقدات الشخصية ، فلا يعقل مثلاً أن يقال في الدستور ’اﻷكلة الرسمية للدولة هي الملوخية‘ أو ’مشجعو النادي الفلاني هم المشجعون الرسميون للدولة‘ على الرغم من أن كل المصريين تقريباً يأكلون الملوخية و قد يكون أغلبهم يشجعون ذلك النادي المذكور . تحديد دين للدولة في رأيي ﻻ يقل عبثاً عن الجملتين المذكورتين أعلاه ، فهو أيضاً--و إن كان له من القدسية ما له في نفوس تابعيه--ﻻ يعدو كونه معتقداً شخصياً .

و لكي أرد على من قد يتساءل ، فإنني أؤمن بهذا المبدأ حتى و لو كانت اﻷغلبية من مواطني الدولة من المسيحيين ، و إنني أعيش اﻵن في دولة علمانية ليس لها دين رسمي و معظم سكانها يدينون بالمسيحية ، و لست فقط ﻻ أجد غضاضة في ذلك بل إنني أؤيده تأييداً تاماً ، و عندي قناعة تامة أن تغييره لن يكون في صالح المجتمع .

ثم هل يعتقد أحدنا أن دينه يحتاج لحماية من الدولة و إﻻ سينقرض ؟ إن كان هذا هو الوضع ، فعلى من يعتنق ذاك الدين أن يعيد النظر فيه ملياً ، فالدين الذي يدعو للإيمان بالله ثم يحتاج لحماية الدولة من دون الله يناقض نفسه . إذا كنت تؤمن بالله ، فأنت تؤمن تلقائياً بأن الله قادر على حماية دينه و نصرته ، و بأن حماية الدولة للدين غير ضرورية ، و بأن سعيك لنشر الدين كفرد ﻻ قيمة له إن لم يعنك الله عليه ، فالله إذاً هو مصدر قوة و سبب نصرة الدين ، و عملك على نشره و نصرته فاشل من دون عون الله ، و الدين ﻻ يحتاج لدستور يعليه .

ثم هل نعتبر تحديد دين للدولة عمل من أعمال إعلاء شأن الدين ؟ ﻻ أعتبره كذلك ، و أعتبر أن علو شأن الدين في نظر البشر ينبع من أفعال أتباعه و خُلُقِهم ، فإن حددت ديناً لدولة ثم اتسم مواطنوها بالقبيح من الخلق و فعلوا المنفر من اﻷفعال ، فإن هذا من شأنه اﻹساءة للدين و تشويه سمعته ، و اﻷدلة موجودة لمن يعي ، و إن اتسم أتباع دين ما بالحميد من الخلق و فعلوا فضائل اﻷفعال لكان هذا من شأنه إعلاء شأن الدين و رفعته ، و إن لم يكن ديناً ’رسمياً‘ ﻷي دولة من الدول .

السؤال الثالث : يحدد الدستور الشريعة اﻹسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع ، أفلا يكون جوراً على اﻷغلبية من المسلمين أن تُغَيَّر تلك الفقرة ؟

ﻻ أرى جوراً في ذلك طالما لم يحدد الدستور مصدراً بعينه يخالف الشريعة اﻹسلامية كمصدر للتشريع . إن وجدت في الدستور فقرة مثل ’القانون الفرنسي هو المصدر الرئيسي للتشريع‘ فهذه فيها حتماً جور جسيم على المسلمين . التشريع ينبع أساساً من مجلس الشعب بصفته السلطة التشريعية في الدولة و ممثلاً عن الشعب ، و في دولة أغلبها من المسلمين سيكون مجلس الشعب أيضاً أغلبه من المسلمين و من الصعوبة الشديدة أن يقر المجلس قوانين تتعارض تعارضاً جسيماً مع معتقدات اﻷغلبية ، فلا أعتقد أبداً أن المجلس سيقر بترخيص الدعارة و تقنينها مثلاً ، و طالما المجلس يمثل اﻷغلبية من الشعب فلا جور على أحد .

أرى أيضاً أن تكون هناك مجموعة من القوانين و التشريعات و التنظيمات الدينية الخاصة بكل دين يحتكم إليها تابعيه ممن يرغبون في اﻻحتكام إليها في اﻷمور التي يمكن أو يجب التعامل معها بصورة مختلفة على حسب الديانة كاﻷحوال المدنية مثلاً من زواج و طلاق و ميراث و ما إلى ذلك ، و أن تكون هناك مجموعة قوانين عامة تحكم الجميع كالقانون الجنائي و قوانين الضرائب مثلاً ، أو قانون علماني للأحوال المدنية لمن يريدون اﻻحتكام إليه أو لمن يختلفون في الدين .

السؤال الرابع : و ماذا يضير غير المسلمين أن يكون اﻹسلام هو دين الدولة ؟

الكثير ... يضيرهم الكثير ... اﻹسلام كدين هو قناعة شخصية للفرد ، و تحديد نوع من أنواع القناعة الشخصية في دستور البلاد يتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين ، و إذا كنت تصفق و تهلل للدول الغربية التي فصلت الدين عن الدولة ، فلماذا ﻻ تريد أن يحدث ذلك في مصر ؟ هل كون أغلبية المواطنين يتفقون معك في المعتقد الشخصي يتيح لك أن تنصب هذا المعتقد الشخصي ديكتاتوراً من نوع آخر على البلاد ؟ و هل عندما تحدد اﻹسلام ديناً للدولة يكون غير المسلمين ﻻ ينتمون للدولة أو ﻻ يصلحون للانتماء لها . عندما تمنح الدول جنسيتها للمتجنسين ، فإنهم يمتحنونهم في تاريخ الدولة و جغرافيتها و لغتها و قانونها ، و ﻻ يمتحنونهم في دينها ، فإن كان هكذا يُفْعَل مع المتجنسين ، فكم باﻷولى المواطنين اﻷصليين . أعلم أن البعض قد يجادل أن اﻹسلام يحترم اﻷديان السماوية ، و أن أهل الذمة لهم حقوق على المسلمين ، و أرد بأن احترام اﻹسلام للأديان السماوية يخص اﻹسلام و ﻻ يخص المواطنة ، و هو أمر محمود من اﻹسلام و المسلمين و لكنه ﻻ يتعلق بالمواطنة و حقوق و واجبات المواطن في دولة معاصرة ، أما تقسيم المواطنين إلى مسلمين و أهل ذمة ففيه تفريق واضح ﻻ يستحق أن أشرحه . إن كنت قد اكتويت بنار التفرقة بين المواطنين من شرطة (أو ’حكومة‘ كما كان يطلق عليهم العامة) و عامة الشعب ، و التشبيه مع الفارق ، أفلا تريد أن تنعدم التفرقة بين المواطنين ؟

السؤال الخامس : ألن تتسبب الدولة العلمانية في ترك الدين و اﻻنحلال الخلقي كما هو الحال في الكثير من الدول الغربية ؟

و لماذا تتسبب في ذلك ؟ التمسك بالدين أو تركه يرجع للمجتمع و ثقافته و تقاليده و ﻻ يرجع للدستور و القانون . ألم تكن هناك دول دينية ترك مواطنوها الدين و الخلق ؟ التاريخ خير شاهد على ذلك . ألم يكن تدريس الدين في مدارس مصر غائباً أو اختيارياً من قبل ؟ فهل كانت مصر منحلة خلقياً في ذاك الوقت ، و هل ترك المصريون الدين ؟ نحن من نربي أوﻻدنا على الدين و نعلمهم التعايش و اﻻعتدال و قبول اﻵخر ، و نحن من قد نرتضي أن نترك تلك المسئولية للمدرسة التي ﻻ نعلم على وجه التحديد فكر من يدرس بها . هل إبعاد الدين عن الدستور سيبعد الدين عن أبنائنا و بناتنا , و هل تثبيته في الدستور سيثبت الدين في صدورهم ؟ ﻻ أظن ...! في اﻷول و اﻵخر التربية الدينية مسئولية اﻷسرة و ليس المدرسة .

تلك الدول التي نتحدث عنها هي دول متقدمة بالمفهوم العلمي و العلماني ، و لكن من وجهة نظرنا هي دول منحلة أخلاقياً . الفرق بيننا و بينهم أنهم صرحاء مع أنفسهم و عندهم حرية ﻻ نملكها ، و الفرق اﻵخر الهام هو أنهم فصلوا الدين عن الدولة ثم تركوا الدين بحجة أن الدين يقيد العقل و ربما يلغيه ، و ﻻ نريد أن يحدث مثل ذلك في مصر ، و ﻻ نريد أن نقع في الخطأ الذي وقعوا فيه . هم ابتعدوا عن الدين بسبب السيطرة الرهيبة للكنيسة الكاثوليكية على سياسة الدولة فيما قبل عصور التنوير ، فاتجهوا في رد فعل عكسي بعد التحرر من قيود الكنيسة إلى ما يشبه رفض الدين إلى درجة أن لفظة ’الله‘ كانت محظورة بعد قيام الثورة الفرنسية . هل نريد ﻷبناء أبنائنا أن يتسلط عليهم أهل الدين حتي ينفجروا مثلما انفجر الغرب غاضباً و يرفضون الدين ؟ أم هل نفضل أﻻ يكون للدين سلطان على السياسة و نعلم أبناءنا الدين القويم و نختار تياراً وسطاً يضمن لهم اﻻعتدال و اﻻستمرار فيه ؟

إن تلك الدول الغربية تملك من الحرية ما يجعل من يمارس الزنا (و ﻻ أتحدث عن الدعارة) يجاهر به و يعتبره حرية شخصية ، و في غياب التوعية و التثقيف الديني السوي انتشرت هذه السلوكيات التي تتعارض مع الدين و ﻻ تتعارض مع الحرية الشخصية ، غير أننا يجب أن ندرك أن في هذه الدول أيضاً تعد الخيانة الزوجية من كبائر اﻷفعال القبيحة و تعتبر وصمة عار اجتماعية ، و يعد الكذب عملاً مشيناً يفقد الكذاب مصداقيته أمام الجميع . إن تلك الدول بها من المميزات و بها من العيوب ما بها ، و لكنني أعتبرها أفضل من مصر بوضعها السابق ، فهم على اﻷقل صرحاء مع أنفسهم و بإمكانهم أن يتغيروا ﻷنهم يعرفون الحقيقة ، أما نحن فنداري عيوبنا حتى ﻻ نراها .

لن ينجينا وضع الدين أساساً للدستور من اﻻنحلال الخلقي ، و لن يمنعنا فصل الدين عن الدولة من أن نحتفظ بتديننا و قيمنا و أخلاقنا . بمنتهى البساطة : الربط بين هذا و ذاك وهمي ﻻ أساس له على أرض الواقع .

السؤال السادس : الدين كله خير ، أفلا يكون من اﻷفضل أن يكون أساساً للتشريع ؟

أي دين الذي تتكلم عنه ، المسيحي أم اﻹسلامي ؟ إذا كنت من اﻷغلبية المسلمة فغالباً تتحدث عن اﻹسلام ، و إذا كنت من اﻷقلية المسيحية فغالباً ستكون مع الدولة العلمانية . فإذا كنت من اﻷغلبية امسلمة ، فهل أنت سني أم شيعي ؟ اﻷغلبية من السنة ، و ربما أنت من اﻷغلبية غير أنك ﻻ تنكر أن هناك شيعة ، و هناك فروق بينهما . فإذا كنت من اﻷغلبية المسلمة السنية ، فهل أنت من المتشددين السلفيين أم أنت من المعتدلين التقدميين ، أم إنك من تيار الوسط ؟ و أي المذاهب السنية اﻷربع تتبع ؟ و إن كنت من اﻷقلية المسيحية فهل أنت أورثوذكسي أم كاثوليكي أم بروتستانتي ؟ و إذا كنت من اﻷغلبية اﻷورثوذكسية ، فهل تؤمن بتدخل الكنيسة في السياسة أم ﻻ ، و أي التفاسير الدينية تتبع ؟

خلاصة القول : الدين فيه الكثير من المذاهب و النِحَل ، و اتفاق المجتمع على مذهب منها أساساً للتشريع يكاد يقارب المستحيل . اﻷسس في اﻷديان تكاد تكون واحدة و التفاصيل تختلف ، و يكاد الكل يجمع على اﻷسس كتحريم القتل و الزنا و السرقة مثلاً ، و يختلفون على طريقة العقاب و أساليب إثبات الجرم . هل تقدر أن تقول لي ما هو موقف الدين من اﻹنترنت مثلاً ؟ ﻻ يمكن أن تأتي بنص ديني يتحدث عن ذلك مطلقاً ﻷن هذه من مستحدثات العصر ، و لكن يُرْجَع إلى مبادئ الدين عند اﻹدﻻء برأي الدين فيها . الدين يحدد علاقة اﻹنسان بالله و يرسم له الخط الذي يقربه منه سبحانه في الدنيا و اﻵخرة ، و ﻻ يحدد سياسة الدولة الخارجية و ﻻ سياستها اﻻقتصادية و ﻻ خطة التنمية بها .

لقد خلق لنا الله العقل لنستخدمه ، و أعطانا الدين لنسترشد به ، فوجب أن يكون الدين للإرشاد و العقل للتخطيط . أَسْمِعْني صوت الله يتحدث إلينا عن كيفية إدارة شئون الدولة و سأتبعك حتى النهاية . طالما ﻻ تسمع و ﻻ أسمع صوت الله المباشر يحدثنا ، فلنستخدم عقولنا التي أعطانا إياها و نسترشد بأدياننا ، و إن استخدمنا الدين دستوراً يصبح للعقل دور ضئيل بجوار الدين الذي يؤخذ كمسلمات ﻻ تناقش .

و ختاماً :

أشكر كل من وصل بالقراءة إلى هذه النقطة و أتمنى أن أستمع ﻵرائكم العقلانية المنطقية ، و سأضيف للمقال كل ما أشعر أنه عقلاني و منطقي حتى و إن كان يتعارض مع وجهة نظري و سأرد عليه متى استطعت ، و أرجو أن يكون النقاش عقلانياً فلا يخرج علينا من يقول مثلاً ’اﻹسلام هو الدين اﻷعلى و ﻻ يمكن أن ينزع اﻹسلام من الدستور‘ ، فهذه عبارة تعبر عن رأي شخصي و ديكتاتورية فكرية . إن كان لك حجة فهات بها و إﻻ فتجاهل كلامي و كأنك لم تقرأه . اعذروني إذ تحدثت عن اﻹسلام أكثر بكثير من المسيحية و لكن نعلم جميعاً أن مصر لو صارت دولة ثيئوقراطية (يحكمها الله ، أو بمعنى آخر يحكمها الدين) فسوف يكون اﻹسلام هو الدين المهيمن بحكم اﻷغلبية .

و أحب أن أؤكد مرة أخرى أنني ﻻ أهاجم اﻹسلام و ﻻ أدعو للمسيحية ، و لكنني أعترض على فكرة الدولة الدينية بغض النظر عن دين الدولة و أؤيد فكرة الدولة المدنية بغض النظر عن ديانة اﻷغلبية من سكانها ، و أحب أن أكرر أنني أعيش في دولة علمانية أغلب مواطنيها من المسيحيين و ما زلت أؤيد بشدة فكرة الدولة العلمانية . من فضلكم ﻻ تدافعوا عن اﻹسلام و ﻻ تهاجموا المسيحية و ﻻ تقارنوا بين الديانتين ، فهذا ليس الغرض من المقال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التسميات

٢٥ يناير (29) آدم (1) اخوان مسلمين (15) استشهاد (1) إسلام (26) الأنبا بيشوي (1) الأنبا تاوضروس (1) البابا شنودة (3) البرادعي (2) إلحاد (1) الداخلية (5) الفريق أحمد شفيق (6) الفريق سامي عنان (1) الم (2) المجلس العسكري (14) انتخابات الرئاسة (9) ايمان البحر درويش (1) برلمان (7) بلطجي (7) بولس رمزي (1) بيرم التونسي (1) تعريص (4) تمييز (2) توضيح (35) توفيق عكاشة (2) ثورة (33) ثيؤقراطية (6) جزمة (2) حازم شومان (2) حازم صلاح أبو إسماعيل (2) حب (4) حجاب (1) حرية (18) حزن (3) حواء (1) خواطر (33) خيانة (5) دستور (4) ديمقراطية (13) دين (37) زجل (3) سلفيين (15) سياسة (23) سيد درويش (1) شائعات (3) شرح (25) شرطة (5) شرع (7) شريعة (7) شهيد (5) صور (3) طنطاوي (7) عبد الفتاح السيسي (1) عبد المنعم الشحات (2) عتاب (1) عصام شرف (1) عصمت زقلمة (1) عقيدة (16) علمانية (13) عنف (7) عيد الميلاد (1) غزل (3) غناء (1) فلسفة (1) فوتوشوب (1) فوضى (3) قباحة (8) قبط (21) قصة (3) كنيسة (17) ماريز تادرس (1) مبارك (2) مجلس شعب (7) مرسي العياط (3) مرشد (5) مسيحية (28) مصر (51) معارضة (7) منطق (11) مواطنة (20) موريس صادق (1) نجيب جبرائيل (1) نفاق (1) نقد (36) وحي (1)