السبت، 29 يناير 2011

و حياة عينيكم خلوا بالكم

أجلس الآن بعد انتصاف الليل أكتب هذا و أنا لا أدري ماذا يحدث في مصر ، و لا أعلم أي شيء عن أهلي و أصدقائي ، و كنت باكراً أتطلع إلى شاشة التلفزيون و أتابع الأخبار كالغريب ، كمن ليس له في الأمر ناقة أو بعير ، و يتابع الآخرون من حولي فمنهم من يهتم بما يحدث لأنه قد يؤثر على السياسة الدولية و من يهتم لأنه حدث شيق كأفلام الإثارة و "الأكشن" و منهم من يشيح بوجهه عن مشاهد العنف متأذياً و من لا يعير الأمر إهتماماً على الإطلاق ، بينما أنا في وسطهم أود لو أستطيع أن أقفز من خلال الشاشة فأهبط حيث أهلي و بنو وطني أشاركهم همهم و أذود عنهم كما يذودون عن بعضهم البعض ، و أهتف باسم مصر مزهواً بأبنائها و بها و بالعزة التي يشعر بها الآن كل مصري ، فلا أستطيع أن أصل إليهم من خلال التلفزيون و أكتفي رغماً عني أن أردد عبارات لا يفهمها من حولي ، و إن كانوا قد يكونون قد فهموا مغزاها من ملامح وجهي و لغة جسدي ، عبارات مثل "ربنا معكم يا رجالة" و مثل "أيوه كده ... أوعوا تسكتوا لهم" و مثل "ربنا ياخدك يا بعيد و يريحنا منك" ، و أكاد أبكي أحياناً أو أرقص طرباً أحياناً أخرى و تخالطني مشاعر متباينة

أجلس الآن أكتب هذا و قد عقدت العزم على أن اذهب غداً إلى مدينة تورونتو حيث نظم بعد الإخوة مسيرة لتأييد أبناء وطننا في أهم ميدان في المدينة ، و قد اشتريت علماً لمصر و آخر لكندا ، و قد كنت أفكر منذ زمان طويل أن أشتري علم مصر و أضعه في منزلي لكي أعرف أولادي بعالم بلدهم الأصلية ، غير أن مشاغل الحياة ألهتني ، و بمنتهى الصراحة كنت لا أملك ما أقوله لهم عن مصر سوى تاريخها الذي لا يشفع لها و لا يغفر لها قبح حضرها ، غير أنني اليوم أحسست أنني أملك الكثير و الكثير لأقوله لهم ، و أحسست بالفخر أن أكون مصرياً ، و أمسكت بالعلم و بسطته و تأملته ثم التحفت به و نظرت لنفسي في المرآة و ملأني الفخر به ، و كادت دمعة أن تفر من عيني شوقاً إلى وطني الذي خرجت منه بحثاً عن حياة أفضل تاركاً خلفي الكثيرين

لا أعلم ماذا سأفعل غداً و لا ماذا سيكون هتافي ، غير أني أعلم أنني سأعود بعد المسيرة أو المظاهرة -- سمها كما تريد -- سأعود إلى بيتي و زوجتي و أبنائي آمن عليهم و على حياتي و مستقبلي ، و تفكرت في أمر هؤلاء الذين خرجوا في المظاهرات في مصر فضربوا و أهينوا و اعتقلوا و منهم من أصيب بعاهة مستديمة و منهم من لفظ أنفاسه شهيداً لكفاحه من أجل الحرية و الكرامة ، و تفكرت في أمر هؤلاء الذين من قبلهم الذين عذبهم النظام الحاكم و كلابه المسعورة و الذين لا يعلم عنهم أهلوهم شيئاً منذ أن أخذوا منهم عنوة ، و الذين قد يكونون قتلوا و لا نعلم عنهم شيئاً سوى أنهم كانوا -- من وجهة نظر النظام -- يشكلون خطراً على النظام . ماذا ستكون مشاركتي غداً بجانب هؤلاء ؟ إن مشاركتي غداً تتضاءل حتى تكاد أن تختفي في ظل تضحيات العشرات و المئات الذين قادونا لهذه اللحظة . اشرك و أنا آمن على نفسي و أهلي و قد شاركوا و يشاركون و هم لا يعلمون هل سيعودون لذويهم أم لا . حملوا أرواحهم على أكفهم فيجب علينا أن ننحني لهم إحتراماً و إجلالاً و تقديراً .

يعتصر قلبي الحزن على من ماتوا و القلق على من لم يموتوا ، و لا يزال الطاغية قاطعاً كل وسائل الاتصال بيننا ، و لا أملك الآن إلا الدعاء لهم بالسلامة و أن يوفقهم الله فلا يضيع دم الشهداء هدراً ، و لا أملك إلا أن أهمس لهم من الجهة الأخرى من الكرة الأرضية "و حياة عينكم خلوا بالكم من نفسكم" و أصارع دمعة تكاد تغلبني و تفر من عيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التسميات

٢٥ يناير (29) آدم (1) اخوان مسلمين (15) استشهاد (1) إسلام (26) الأنبا بيشوي (1) الأنبا تاوضروس (1) البابا شنودة (3) البرادعي (2) إلحاد (1) الداخلية (5) الفريق أحمد شفيق (6) الفريق سامي عنان (1) الم (2) المجلس العسكري (14) انتخابات الرئاسة (9) ايمان البحر درويش (1) برلمان (7) بلطجي (7) بولس رمزي (1) بيرم التونسي (1) تعريص (4) تمييز (2) توضيح (35) توفيق عكاشة (2) ثورة (33) ثيؤقراطية (6) جزمة (2) حازم شومان (2) حازم صلاح أبو إسماعيل (2) حب (4) حجاب (1) حرية (18) حزن (3) حواء (1) خواطر (33) خيانة (5) دستور (4) ديمقراطية (13) دين (37) زجل (3) سلفيين (15) سياسة (23) سيد درويش (1) شائعات (3) شرح (25) شرطة (5) شرع (7) شريعة (7) شهيد (5) صور (3) طنطاوي (7) عبد الفتاح السيسي (1) عبد المنعم الشحات (2) عتاب (1) عصام شرف (1) عصمت زقلمة (1) عقيدة (16) علمانية (13) عنف (7) عيد الميلاد (1) غزل (3) غناء (1) فلسفة (1) فوتوشوب (1) فوضى (3) قباحة (8) قبط (21) قصة (3) كنيسة (17) ماريز تادرس (1) مبارك (2) مجلس شعب (7) مرسي العياط (3) مرشد (5) مسيحية (28) مصر (51) معارضة (7) منطق (11) مواطنة (20) موريس صادق (1) نجيب جبرائيل (1) نفاق (1) نقد (36) وحي (1)