قبطي أنا ، أو ﻷكون منصفاَ للكل و مراضياَ للكل ، فأنا قبطي مسيحي على اعتبار أن المصريين كلهم أقباط ، منهم مسيحيون و منهم مسلمون ، و هذا ما شعرته مع الكثير من اﻷصدقاء و الجيران من المسلمين و ما لم أشعره مع البعض اﻵخر من الزملاء و عامة الشعب .
قبطي مسيحي أنا و كثيراَ ما سمعت من بعض الزملاء من المسلمين ممن هموا للصلاة "ما تيجي تصلي معانا و نكسب فيك ثواب" ، القول الذي ﻻ يمكن أن يقبل منهم إذا كنت أنا القائل ، و تلميح ﻻ يخفى على ذوي اﻷلباب أنني في ضلال و هدايتي في إسلامي .
قبطي مسيحي أنا و قيل لي صراحة و من زملاء مسلمين عندما كنت أتفكر في مجاﻻت التخصص عند ابتداء حياتي العملية كطبيب "بلاش تروح القسم ده علشان مش بياخدوا مسيحيين ، و لو خدوك بالعافية مش ح يعينوك" .
قبطي مسيحي أنا و سمعت بأذني هاتين "اللي ح ياكلهم الدود" و رأيت بعيني هاتين طفلاَ صغيراَ في بلد ريفية يصرخ من خلفي "يا مسيحي" كأنها سبة ، و كان يعلم أنني مسيحي ﻷن عدد المسيحيين في البلدة محدود .
قبطي مسيحي أنا و أبي قبطي مسيحي تخطاه رؤساؤه في الترقية لمنصب مدير عام بالرغم من كفائته و تاريخه المشرف في العمل و أتوا بآخر يصغره بالعديد من السنوات و يقل عنه خبرة ، و لم يبرر التخطي بالطبع ﻷن المناصب القيادية بالتعيين و ليست بالكفاءة و اﻷحقية .
قبطي مسيحي أنا و أمي طبيبة قبطية مسيحية كان البعض من النساء الريفيات--و أكرر من النساء و ليس الرجال—يفضلون الذهاب لطبيب مسلم على أن يذهبوا لطبيبة مسيحية ، اﻷمر الذي يتنافى و الحياء المعهود عن النساء الريفيات أﻻ تكشف عوراتهن على الرجال .
أفأكتب هذا لكي أشكو ؟ و مم أشكو ؟ ﻻ أشكو لمن يقرأ هذه الأسطر ، فأنا أعلم بحكم كوني مسيحي أن هذا سيحدث ، و قد قال لي إلهي "في العالم سيكون لكم ضيق" ، و جعل مع الضيق أملاَ فأكمل "و لكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" ، بل و وعدني بالثواب ﻻحتمال الضيق فقال "طوبى لكم إذا طردوكم و عيروكم و قالوا فيكم من أجلي كل كلمة شريرة كاذبين . افرحوا و تهللوا لأن أجركم عظيم في السموات" ، فلا أشكو لمن يقرأ و لكن أتسائل بالعقل و المنطق : أما آن اﻷوان لكي نعامل الجميع بمعيار واحد ؟ و ﻻ أعني الجميع أي المسيحيين و المسلمين ، بل أعني الجميع أي المصريين بغض النظر عن معتقداتهم الشخصية .
يؤسفني و يحزنني أن أرى المصريين منقسمين إلى فئات و نحل ، تركوا أمتهم و وطنهم و تمسكوا بمعتقداتهم كمرجع أصيل لحل كل ما نعيش فيه من هم و كآبة و فقر و جهل استبداد الحاكم و طغيانه و ضعف المحكوم و هوانه . يؤسفني و يحزنني أن أرى الشباب يتظاهرون في غضب هاتفين "بالروح ، بالدم ، نفديك يا صليب" ، و لو قرأوا تاريخ آبائهم لعلموا أنهم كانوا يقبلون الشهادة في صمت من أجل المسيح ، و لو عرفوا دينهم حقاَ لما خرجوا يقذفون عساكر اﻷمن المركزي بالحجارة ، فالمسيحية ليست دين عنف ، و المسيح من أوصى قائلاَ "أما أنا فأقول لكم ﻻ تقاوموا الشر بالشر ، بل من لطمك على خدك اﻷيمن فحول له اﻵخر أيضاَ" ، فإن كنت تفدي صليبك بالروح و الدم ، فتذكر أن السيد المسيح الذي صلب على الصليب لم يقاوم الصلب ، و كان يستطيع .
يؤسفني و يحزنني أن أرى من خرج يتظاهر من أجل امرأة ربما غيرت دينها ، بالرغم من أدلة و شهادات أنها لم تغير دينها ، و لكن يصر الشباب أن هذا تزوير و تلفيق من قبل الكنيسة أو الحكومة أو أمن الدولة ، أو ربما بالتضامن بينهم جميعاَ ، بينما يتركهم اﻷمن يقذفون السباب على الكنيسة علناَ ما داموا ﻻ يسبون الحكومة ، و تشكو الكنيسة من منع بناء بعض الكنائس التي صدر ببنائها قرار و ذلك ﻷسباب أمنية ، و ﻻ يعلم أحد من يضطهد اﻵخر .
يؤسفني و يحزنني أن أرى زهرة شباب الوطن يقبض عليهم و يقتلوا لمجرد كونهم متدينين ، أو أن أرى من زهرة شباب الوطن من يقتل "النصارى" لوجه الله ، أو أن أرى من زهرة شباب الوطن من يقذف مبنى المحافظة بالحجارة من أجل بناء كنيسة و ﻻ يقذفه بها من أجل لقمة العيش و احترام اﻹنسان ، أو أن أرى من زهرة شباب الوطن من يذهب بمحض إرادته يطلب من أعدائها أن يمنوا عليه بنعمة خيانتها ، أو أن أرى من هنا أو هناك من خرج يؤكد على أحقية أهل دين دون اﻵخر في أرض الوطن ، أو أن أرى من هنا أو هناك من يسب أهل الدين اﻵخر و يهين معتقداتهم فينبري له من الطرف اﻵخر من يبادله السب بالسب .
ﻻ الكنيسة هي المرجعية السياسية في الدولة ، و ﻻ اﻷزهر و ﻻ أي جهة دينية أخرى ، و عندما يطالب البعض أن تكون مصر دولة علمانية فهذا ليس كفر و ﻻ شرك و العياذ بالله ، بل هو ما اتبعته دول الغرب التي تبيح التدين مثلما تبيح الكفر ، فأوﻻَ و أخيراَ إن كنت تؤمن بوجود إله قادر على كل شيء ، فهذا اﻹله ليس في حاجة لك لكي تحمي دينه ، و إن كنت تؤمن أن الله خلق لك العقل و خلقك حراَ لتستخدم عقلك الذي خلقه لك و أنه سيحاسبك على ما أعطاك من نعم و ما فعلت بها ، فلا تنكر على اﻵخرين أن يستخدموا حريتهم و عقلهم و اترك حسابهم يوم الدين لله تعالى
كانت الكنيسة الكاثوليكية هي السلطة الدينية و السياسية في إيطاليا حتى تنصيب الملك فيكتور عمانوئيل الثاني ملكاَ على إيطاليا المتحدة في 17 مارس 1861 ميلادية و إعلان روما—المقر البابوي للكنيسة الكاثوليكية منذ القرن الثامن الميلادي—عاصمة للمملكة ، و الذي قام على أثره خلاف بين السلطة البابوية و السلطة المدنية انتهى في 11 فبراير عام 1929 بتوقيع اتفاقية ﻻتيران (نسبة إلى قصر ﻻتيران الذي تم توقيع اﻻتفاقية فيه) و التي نصت على إقامة دولة الفاتيكان (بمساحة حوالي نصف كيلومتر مربع) ذات السيادة المستقلة و الحيادية التامة في المعاملات السياسية و دفع راتب سنوي تعويضاَ للبابا (بصفته و ليس بشخصه) عن الممتلكات التي أخذت من الكنيسة مع اعتبار المسيحية الكاثوليكية الدين الرسمي ﻹيطاليا . إلى هنا و يوجد تشابه كبير مع مصر التي تنص في دستورها على أن اﻹسلام هو الدين الرسمي للدولة ، بل و إن هذا قد تم تضمينه في الدستور اﻹيطالي عام 1947 ميلادية .
غير أنه في عام 1984 ميلادية ، تم تعديل هذه اﻻتفاقية بحيث لم تعد المسيحية الكاثوليكية الديانة الرسمية ﻹيطاليا ، و لم تعد الفاتيكان تتلقى مرتباَ سنوياَ ، بل يتم تخصيص 0.8٪ من الضريبة على الدخل لتوجه لمساعدة أي من اﻷديان المعترف بها في إيطاليا أو للمساعدات اﻻجتماعية التي تنظم من قبل الحكومة (و التي بالطبع ﻻ تفرق بين المواطنين على حسب الديانة) ، و بالرغم من كل هذا ، فإن هناك أصوات كثيرة ﻻ زالت تطالب بفصل الدين عن الدولة في الكثير من المجتمعات الغربية ، و ﻻ أعلم دولة من هذه الدول تعرف ديناَ ما على أنه "الدين الرسمي" للدولة .
إن كنت تؤمن أن الدين لله و الوطن للجميع ، و إن كنت تطالب بالمساواة و الحرية للجميع دون استثناء ، فلتبدأ بنفسك أولاَ ، و إن كنت تستاء من احتجاج بعض اﻷمريكان على بناء مسجد بجوار الموقع السابق لبرجي التجارة التي تم تدميرهما و قد احتجوا و لم يمنعوا ، فلا بد أن تستاء أيضاَ لأن المسيحيين في بلدك ﻻ يستطيعون ترميم دورات المياه في الكنائس بدون إذن من رئيس الجمهورية ، و إن كنت قد فرحت عند انتخاب—و أشدد على كلمة انتخاب—كيث إليسون كأول مسلم في الكونجرس اﻷمريكي كواحد من 435 عضواَ ثم أعيد انتخابه فلا بد أن تحزن على عدم انتخاب أي مسيحي في مجلس الشعب المصري المتكون من 454 عضواَ ، و ذلك ﻷن ابناء وطنك من المسيحيين إما ﻻ يشاركون في العمل السياسي أو أنهم ﻻ أمل لهم في اﻻنتخاب لمثل هذا المنصب ، و أرجو أن تراعي الفارق بين نسبة المسلمين في الوﻻيات المتحدة و الذي يتراوح بين 1-2٪ وو نسبة المسيحيين في مصر و التي تقارب 10٪ (و إن كان البعض للأسف يتباهى بأن المسيحيين في مصر في انقراض مستمر) .
إن كنت تستاء من دعوتي للعلمانية و رفع الوطن فوق الدين فيما يختص بالسياسة و القانون ، و إن كنت تؤمن بوجود إله فوق الجميع ، فأعد التفكير في السبب الذي من أجله خلق لك الله العقل ، و إن كنت ترفض استخدام العقل فتذكر "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون" ، فلست أنت من تحمي الدين ، فللدين رب يحميه ، و إن كنت تعتقد أن رب الدين في حاجة لحمايتك ، ففيم اختلفت إذن عمن كان يذود عن صنمه ؟
ﻻ أكتب لكي أسيء للإسلام و ﻻ لكي أذود عن المسيحية ، فكلاهما عاش قروناَ من الزمان لم يتأثر بتقلباته و دوران أيامه ، و ﻻ أرى سبباَ يدعو للعداء بينهما ، و قد تعايشا في مصرنا قروناَ طويلة ، و لكنني أكتب لكي أذود عن وطن رأيت الفتنة تنخر في عظامه ، و رأيت الجهل و ضيق اﻷفق يطبقان على أنفاسه ، و رأيت التعصب حتى بين مثقفيه يمزق أوصاله . يا بني وطني ، استفيقوا و أفيقوا و أعملوا عقلكم ، و إن لم تفعلوا هذا فقل على الوطن السلام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق