يٌقسّم المنطق إلى نوعين أساسيين و هما المنطق الاستنباطي (Deductive Reasoning) و المنطق الاستقرائي (Inductive Reasoning)، و الفرق بين النوعين من المنطق يتمثل في الآتي (ليس على سبيل الحصر):
- الاستنتاج المنطقي في المنطق الاستنباطي يتبع بالضرورة مقدمات (Premises) الأطروحة المنطقية (Logical Argument)، و المقدمات هي ما يقال أولاً في الأطروحة ليُستخلص منه و يُبنَى عليه الاستنتاج، بمعنى أن المقدمات – إذا كانت صحيحة – تحتم بنسبة ١٠٠٪ صحة الاستنتاج، بينما في المنطق الاستقرائي فإن الاستنتاج لا يتبع بالضرورة المقدمات، و إنما يكون أكثر قبولاً من غيره من الاستنتاجات إذا كانت المقدمات صحيحة.
- المنطق الاستنباطي يستخدم بشكل واسع في الفلسفة و في الأفكار المجردة عموماً، كالنقاش حول وجود الله و حول حرية الإرادة البشرية، بينما المنطق الاستقرائي يستخدم بشكل أساسي في الأبحاث العلمية، و في سياق المنهج التجريبي (Empiricism) الذي يرصد الملاحظات العملية و يُكوّن بناء عليها الاستنتاجات، و قد ظهر المنطق الاستنباطي كعلم على يد فلاسفة الإغريق، بينما استُخدِم المنطق الاستقرائي في فترة لاحقة متأخرة مع بداية المنهج العلمي الحديث.
- في بعض الآراء يتجه المنطق الاستنباطي من العام إلى الخاص و من الواسع إلى الضيق، بمعنى أن مقدمات الأطروحة المنطقية تمثل فكرة عامة أو واسعة و استنتاج الأطروحة يمثل فكرة خاصة أو أضيق من المقدمات، بينما يتجه المنطق الاستقرائي في الاتجاه العكسي، حيث يبنى الاستنتاج – الذي هو في الأغلب تعميم لملاحظات تجربة ما – على ملاحظات التجربة، و هي حالة خاصة مرتبطة بظروف إجراء التجربة. غير أن هناك آراء أخرى لا تتفق مع هذا الرأي، و ربما نناقش ذلك لاحقاً.
و كما ذكرت في المقال السابق، فإن المنطق ما هو إلا أداة للاستنتاج، و لا يؤكد لنا على الإطلاق صحة المعلومات المقدمة، و بالتالي فإن هناك تفريقاً مهماً يجب مراعاته عند فحص الأطروحات المنطقية:
-
صلاحية (Validity) الأطروحة، و هي صحة التركيب المنطقي (Logical Structure) لها و كيفية صياغتها، و هناك تراكيب منطقية معروفة و محددة سنذكرها لاحقاً، و لو وجدنا أن التركيب المنطقي للأطروحة غير صالح لا يُقبل الاستنتاج المبني على مقدماتها.
كمثال على ذلك، الأطروحة التالية غير صالحة:كل الكلاب حيوانات.
إذ لا يترتب الاستنتاج عقلياً على المقدمات، و لا يوافق التركيبُ المنطقي لهذه الأطروحة أي تركيب منطقي مقبول.
الإنسان ليس كلباً.
إذاً فالإنسان ليس حيواناً. -
صحة (Truth) المقدمات التي تبنى عليها الأطروحة، فكما قلنا سابقاً إن المنطق مجرد آلة فكرية لا تبحث في صحة المقدمات أو الافتراضات، فإذا بنينا استنتاجاً منطقياً على شيء غير صحيح فإن الاستنتاج يكون باطلاً، ليس لأنه يخالف المنطق أو العقل، و لكن لأنه لا يعبر عن الحقيقة.
كمثال على ذلك، ثاني مقدمتي الأطروحة التالية غير صحيحة:الشموس كُتَل ملتهبة تصدر كميات هائلة من الحرارة.
فنحن لا نشعر بالحرارة الصادرة عن النجوم لأنها بعيدة جداً و ليس لأنها لا تصدر حرارة، و الحقيقة أن بعض هذه النجوم أكثر توهجاً و التهاباً من شمسنا. استنتاج هذه الأطروحة لا يعارض العقل و لا المنطق، و لكن لأن المقدمة الثانية غير صحيحة خرجنا باستنتاج غير صحيح، و هكذا فعل كل علماء و فلاسفة العالم القديم على ضوء معرفتهم المحدودة.
النجوم لا تصدر أي حرارة في الليل.
إذاً فالنجوم ليست شموساً.
فإذا كانت الأطروحة المنطقية صالحة و مقدماتها صحيحة، فإننا نقول إن الأطروحة سليمة، فسلامة (Soundness) الأطروحة تعني تحقق صلاحية تركيبها و صحة مقدماتها معاً، و لا يُقبَل استنتاج أي أطروحة منطقية إلا إذا كانت سليمة.
و للحديث بقية...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق