الخميس، 21 يونيو 2012

لن تُسكِتونا و إن حاولتم أقصى جهدكم

متى قبلت بالانتخابات أساساً لاختيار البرلمان أو الرئيس أو الجن الأزرق، فيجب عليك عندئذ أن تحترم الانتخابات كوسيلة لتفعيل الديمقراطية، و أن تحترم الديمقراطية التي تتمثل في الانتخابات. و إن كنا لا نعرف بعد مفهوم الديمقراطية فكان الأولى بنا ألا نلجأ إلى الانتخابات كوسيلة لاختيار من يمثلنا أو يقودنا، و كان الأولى بنا أن نترك الغلبة للأقوى الذي يهزم كل أعداءه بحد السيف أو يفنيهم كما كان الحال في العصور الوسطى و ما قبلها من عصور ظلامية في التاريخ.

في الديمقراطية تتساوى جميع الأصوات في تأثيرها على النتيجة النهائية، و الديمقراطية تستلزم حرية مطلقة في التعبير عن الرأي. أن تؤثر على الناخبين بالتخويف و التخوين و التهديد هو أمر مرفوض مطلقاً و ينقض أساس الديمقراطية. و الحقيقة أن استفتاء التعديلات الدستورية في مارس ٢٠١١ و ما تلاه من انتخابات برلمانية ثم انتخابات رئاسية كانت جميعها مثالاً حياً واضحاً و صريحاً لما يتعارض في الشكل و المضمون مع الديمقراطية.

توقعت من الحملات الانتخابية للسادة المرشحين أن تستفيض في الحديث عن ضماناتها للحقوق المدنية و المساواة التامة بين المواطنين و سيادة القانون و أن تعدد مزايا المشروعات الانتخابية للمرشحين و أن توضح لنا آليات تنفيذ تلك المشروعات، و هو أهم من تعديد المزايا. و لم أتوقع منهم أن يرهبوا المواطنين بما يمكن أن يحدث لهم من انتقاص في الحقوق و قمع و تعذيب إن فاز المنافسون. أي حرية تلك التي تدعونها في اتخاذ القرار حينما يكون الناخب مرعوباً خائفاً على حريته أو أمنه أو لقمة عيشه؟ ثم أي حرية تلك التي تتحدثون عنها حين يخرج علينا أحد من يطلقون على أنفسهم "دعاة الدين" ليصرح أن دماء من انتخبوا فلاناً (و هم خمسة ملايين مواطن) لا تساوي عنده دماء دجاجة؟

و عندما سمعت من أحد الأطباء الحاصلين على شهادة الدكتوراه، و هي أعلى شهادة علمية في مصر، و يعمل بالتدريس في الجامعة أن على الأقباط ألا يفتحوا أفواههم بعد الآن بالشكوى، إذ هم انتخبوا الفريق شفيق، أدركت حينئذ أن الأمل ضعيف في الأجيال القادمة التي يقوم بالتدريس لها أصحاب هؤلاء العقول المختلة.

هل يعني انتخاب مرشح معين أن الحقوق المدنية الأصيلة لمن انتخبوه سقطت عنهم إن هو ظَلَمَ؟ لنفرض أن شفيقاً فاز بالانتخابات ثم أعاد نظام مبارك كما كان و استمرت عمليات تفجير الكنائس و التعدي على الأقباط بمختلف الأشكال، فهل يفقد الأقباط حقهم حينئذ في المطالبة بحقوقهم المدنية الأصيلة التي كان يضمنها دستور ١٩٧١، و التي يضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وافقت مصر عليه و ارتضت به، و التي يدعي أنصار التيار السياسي الإسلامي أن الشريعة الإسلامية تضمنها أيضاً؟ و هل إن فاز مرسي فحاولت جماعة الإخوان المسلمين الاستئثار بالسلطة كما عودتنا فانبرى لها البعض ممن انتخبوا مرسياً مدافعين عن مبدأ تداول السلطة فلقوا من الإخوان قهراً و ظلماً، هل تسقط عندئذ عنهم حقوقهم المدنية الأصيلة؟

إن فاز شفيق أو فاز مرسي، فسيستمر الأقباط في المطالبة بحقوقهم المدنية كاملة و بالمساواة التامة بينهم و بين المواطنين المسلمين في الدولة، و لن يمنعنا عن ذلك بشر و لن يكمم أفواهنا كائن من كان على أرض الله. و ليعلم الجميع أن الأقباط لا يُهَدَّدون فيرتعبون و ينكمشون في الأركان، لكنهم بقوة الله و بإيمانهم به و ثقتهم فيه يقفون و يدافعون عن حقوقهم و يتكلمون بالحق من دون خوف، كما قال لنا السيد المسيح:

هَا أَنَا أُرْسِلُكُمْ كَغَنَمٍ فِي وَسْطِ ذِئَابٍ، فَكُونُوا حُكَمَاءَ كَٱلْحَيَّاتِ وَبُسَطَاءَ كَٱلْحَمَامِ. وَلَكِنِ ٱحْذَرُوا مِنَ ٱلنَّاسِ، لِأَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ. وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلَاةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلْأُمَمِ. فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلَا تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لِأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ ٱلسَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، لِأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ ٱلْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ ٱلَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ. (مت ١٠ : ١٦ - ٢٠)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

التسميات

٢٥ يناير (29) آدم (1) اخوان مسلمين (15) استشهاد (1) إسلام (26) الأنبا بيشوي (1) الأنبا تاوضروس (1) البابا شنودة (3) البرادعي (2) إلحاد (1) الداخلية (5) الفريق أحمد شفيق (6) الفريق سامي عنان (1) الم (2) المجلس العسكري (14) انتخابات الرئاسة (9) ايمان البحر درويش (1) برلمان (7) بلطجي (7) بولس رمزي (1) بيرم التونسي (1) تعريص (4) تمييز (2) توضيح (35) توفيق عكاشة (2) ثورة (33) ثيؤقراطية (6) جزمة (2) حازم شومان (2) حازم صلاح أبو إسماعيل (2) حب (4) حجاب (1) حرية (18) حزن (3) حواء (1) خواطر (33) خيانة (5) دستور (4) ديمقراطية (13) دين (37) زجل (3) سلفيين (15) سياسة (23) سيد درويش (1) شائعات (3) شرح (25) شرطة (5) شرع (7) شريعة (7) شهيد (5) صور (3) طنطاوي (7) عبد الفتاح السيسي (1) عبد المنعم الشحات (2) عتاب (1) عصام شرف (1) عصمت زقلمة (1) عقيدة (16) علمانية (13) عنف (7) عيد الميلاد (1) غزل (3) غناء (1) فلسفة (1) فوتوشوب (1) فوضى (3) قباحة (8) قبط (21) قصة (3) كنيسة (17) ماريز تادرس (1) مبارك (2) مجلس شعب (7) مرسي العياط (3) مرشد (5) مسيحية (28) مصر (51) معارضة (7) منطق (11) مواطنة (20) موريس صادق (1) نجيب جبرائيل (1) نفاق (1) نقد (36) وحي (1)