ماذا إن طلب منك شخص ما أن تكون سارقاً من أجل مصر؟ هل في هذا تعارض بين المبادئ الدينية و الأخلاقية و بين الشعور الوطني؟ و إن كان هناك تعارض، فهل يمكن أن نقول على بعض عملاء المخابرات المصرية الذين سرقوا من أجل مصر أنهم آثمون؟ هل يمكن أن تكون السرقة علامة من علامات الوطنية؟ أليس القتل ذنباً عظيماً و هو نفسه بطولة في الحروب؟ في رأيي أن السرقة ممكن أن تكون من علامات الوطنية بكل تأكيد. لكن انتظر... هناك المزيد مما يقال في هذا المضمار.
محاربة عدو للوطن أمر يشترك فيه كل مواطني البلد الواحد، و مناصرة عدو الوطن خيانة للوطن. هذا أمر يجتمع عليه كل مواطني البلد الواحد. فماذا لو كان العدو من داخل الوطن؟ ماذا لو كان هناك من يريد أن يصل للسلطة ليستغلها في قهر المواطنين و نهب ثروات الوطن؟ و ماذا لو كان هذا العدو مؤيداً من بعض المواطنين الذين تيقنوا و استقرت ضمائرهم على أن هذا الذي تراه عدواً هو بعينه من سيجلب الخير للوطن؟ هل ينقسم الوطن حينذاك إلى فرق متناحرة تحارب بعضها البعض من أجل تغليب رأي فرقة منهم على الباقين؟ و هل يصير شريك الوطن حينئذ عدواً للوطن؟ إن حدث ذلك لانتفى تعريف الوطن كمكان و ثقافة تجمع كل مواطنيه تحت سقف واحد. و لهذا اخترع الإنسان نظاماً أسماه كفار الغرب "الديمقراطية".
يتلخص هذا النظام في أن كل المواطنين لهم رأي حر متساوٍ و أن رأي الأغلبية منهم هو الذي يحدد من يتولى السلطة. و السلطة في الديمقراطية يتم تداولها، فإن اختارت الأغلبية اختياراً خاطئاً صار ممكناً تصحيح هذا الخطأ في مرحلة مستقبلية. الديمقراطية إذن لا تتحقق إلا بتوافر (١) الحرية (٢) المساواة (٣) تداول السلطة.
و عليه فإن من يسرق بطاقة الرقم القومي من ذويه ليمنعهم من الإدلاء بأصواتهم لمرشح معين يُسقط الحرية من هذه المعادلة، فهو يمنع البعض قسراً من ممارسة حقهم الانتخابي، ناهيك عن أنه ليس من الدين و لا من الأخلاق في شيء أن يسرق الابن أو الابنة من والديهما. و أيضاً من يخدع المواطنين ليُبطَل صوتهم بأن يقنعهم باختيار مرشحين بدلاً من واحد يُسقط المساواة من المعادلة، فهو بالخداع يلغي تأثير أصوات بعض المواطنين. و من يخدع المواطنين ليعطوا صوتهم لمن لا يريدونه مستغلاً جهلهم يُسقط الحرية و المساواة. و من يؤثر على المواطنين مستخدماً الدين أو مستغلاً الفقر و الحاجة يُسقط المساواة، إذ يزداد تأثير رأيه كلما أثر على عدد أكبر من المواطنين بينما ينعدم تأثير رأيهم. و من يقول أنه لن يترك السلطة لغيره متى وصل إليها فهو حتماً و بكل تأكيد لا يتحدث عن الديمقراطية.
لا تظن أنك بالخداع أو بالسرقة تؤدي خدمة للوطن بمنعك مواطنين آخرين من حقهم أن يكون لهم صوت مساوٍ لصوتك تماماً. أنت في هذه الحالة لص معيوب الخلق تتعدى على حقوق شركائك في نفس الوطن، و أنت ديكتاتور طاغية يريد أن يفرض رأيه الأوحد على من حوله، و أنت غبي ناقص عقل ترى أن رأيك هو الرأي المصيب و ليس غيره، و في الحياة الكثير من الآراء التي تحتمل الخطأ و الصواب، و أنت تستخدم الديمقراطية بطريقة تنفي مفهوم الديمقراطية ظناً منك أنك ستحقق الديمقراطية!
من أجل مصر لا تكن لصاً يسرق حق أخيه و شريكه في الوطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق