ما رأيك لو إشترى المسلمون 100 ألف فدان موزعة في صحراوات مصر بغرض الصلاة فيها؟ ألا يحل هذا المشكلة؟
ذكر كاتب هذا المقال أن الأراضي المملوكة للنصارى في مصر تقدر بحوالي 10 آلاف فدان و إستدل بذلك على أن المسيحيين غير مضطهدين في مصر و أنهم لا يحتاجون للمزيد من الكنائس للتعبد.
سيدي الفاضل. الأراضي المملوكة للأديرة معظمها أراضي زراعية مستصلحة أو مزارع مواشي أو مناحل أو ما شابهها من مشروعات إنتاجية، و هذه هي المصدر الأساسي لدخل الدير و الشغل الشاغل للرهبان بعد التعبد الذي هو هدفهم الأول من الانعزال في الصحراء. ثم أن تلك الأديرة التي يتكلم عنها المقال منعزلة في الصحراء و بعيدة عن العمران، و ذلك بفرض أنها مستغلة كلها لغرض العبادة و هو إفتراض خاطئ.
مساحة جمهورية مصر العربية مليون كيلومتر مربع، و علماً بأن الفدان يساوي حوالي 4,200 متر مربع، فإن مساحة الجمهورية تقدر بحوالي 238,095,238 فدان، و بفرض أن الأراضي المملوكة للأديرة تقدر بعشرة آلاف فدان كما هو مكتوب في المقال، فذلك يعني أن الأديرة تملك فقط 0.0042% من المساحة الكلية لجمهورية مصر العربية، فهل هذا يتناسب مع نسبة الأقباط في مصر؟
بالطبع ستقول أن ما زعمته في المقطع الأخير هو محض هراء لأن حوالي 95% من مساحة مصر صحراء غير مستغلة، و سأقول لك و ما زعمه المقال هو أيضاً محض هراء و إفتراء و "تهريج" في أحسن الأحوال، حيث أن معظم هذه الأراضي التي يتحدث عنها المقال أراضي صحراوية بعيدة عن العمران، أي أن استغلالها لغرض التعبد غير وارد.
و مقارنة مساحة الأراضي المملوكة للأديرة بمساحة دولة قطر أو مساحة الفاتيكان هو أيضاً تفاهة فكرية و مغالطة طفولية. الفاتيكان له وضع خاص جداً، و لا ينبغي مقارنته بأي دولة أو أي كيان آخر في العالم لمجرد أنه دولة مستقلة سياسياً. إقرأ أولاً تاريخ دولة الفاتيكان و كيف تم تأسيسها و لماذا ثم كون رأياً منطقياً. ضع في الاعتبار أيضاً أن دولة الفاتيكان تعداد سكانها يتجاوز الثمانمئة بقليل...! و بالنسبة لقطر، فإن المساحة الكلية لدولة قطر بالفدان تقدر بحوالي 2,758,571 فدان، و لا أدري من أين جاء كاتب المقال بمعلوماته التي تقول أن قطر مساحتها 2740 فدان، و ربما كان الكاتب غائباً في درس الحساب في الصف الخامس الإبتدائي الذي درس فيه الطلبة مفهوم المليون، حيث أن مساحة قطر أكثر من إثنين و نصف مليون فدان، و هي أكثر من ألف مثل مساحة الأرض المملوكة لدير الأنبا مقار التي يذكرها الكاتب. الجدير بالذكر أيضاً أن مساحة الأرض المستغلة في قطر لا يتجاوز 2% من المساحة الكلية، أي ما يقدر بحوالي 55 ألف فدان، و هي مساحة تعادل أكثر من 20 مثل قدر مساحة الأرض المملوكة لدير الأنبا مقار.
المساحة الكلية للأراضي المذكورة في المقال تبلغ 6816 فدان و هي تشكل حوالي 68% من المساحة الكلية التي ذكرها كاتب المقال. و مما لا شك فيه أن العديد من الأديرة التي لم يذكرها الكاتب تملك قطعاً من الأراضي مساحتها لا بأس بها تستخدم في الزراعة و الإنتاج، و قد ذكر الكاتب 12 ديراً من أصل 34 ديراً تمكنت أن اعدها، أي أنه لم يذكر 22 ديراً آخر، و في ذكره لهذه الأديرة الإثني عشر حصر مساحات من الأراضي تمثل 68% من إجمالي "أراضي النصارى" المزعومة. أي أنه في أحسن الأحوال فإن حوالي 90% من المساحة المزعومة هي أرض زراعية أو مزارع مواش أو أراضي مملوكة للدير غير مستغلة من قبل عامة المسيحيين في الصلاة و اغراض التعبد.
ناهيك عن أن إستخدام المساحة الكلية لتحديد ما إذا كان المسيحيون في مصر يحتاجون لدور عبادة أكثر أم لا هو خاطئ و مضلل على أحسن الفروض. الكثافة السكانية غير متساوية في المدن و القرى المختلفة، و من الممكن أن تكون هناك قرية بها كنيسة تخدم 200 فرداً و قرية أخرى بها كنيسة تخدم 3000 فرداً، و إذا كانت مساحة الكنيستين متساويتين، فإن إستخدام المساحة الكلية سيعطي إنطباعاً خاطئاً أن 3200 فرداً يستخدمون ضعف مساحة الكنيسة الواحدة، و هو غير صحيح.
ناهيك عن أن بناء دور العبادة لا ينبغي أساساً أن يحدد بقانون معين، فهي مبان مثل أي مبان و طالما طابقت المواصفات الهندسية و شروط السلامة و الأمان فلا ينبغي أن يحدد بناءها بشيء آخر. ماذا يضير المسلم لو بنى المسيحيون مائة كنيسة في نفس الحي؟ أليس مفروضاً عليهم أن يدفعوا تكاليف البناء و الصيانة و المستهلكات من الكهرباء و الماء و خلافه؟ لو أن عددهم لا يكفي مثل هذه المصاريف، فلن يتم البناء من الأساس. لماذا نفترض أن بناء الكنائس يحمل في طياته غرضاً واحداً هو تنصير المسلمين من أهل المنطقة؟ و لماذا يخشى المسلمون إن كانت عقيدتهم ثابتة و ايمانهم راسخ؟
و لعل من يتحدث عن التمويل الخارجي و مشاريع التغريب يخرج علينا بنظرية المؤامرة التي مفادها أن أمريكا تريد تنصير شعب مصر بالإغواء المادي أو غيره. و أقول لهم يا سادة، إن ميزاينة الإخوان المسلمين تعد بالملايين إن لم تكن بالمليارات، و الدعم المادي من دول الخليج و على رأسها السعودية مستمر لا ينقطع في سبيل نصرة الإسلام، فكيف يمكن أن يستغل المال في إغواء المسلمين، اللهم إلا إذا كانت هذه الأموال الخليجية و الإخوانية تصرف في غير محلها.
ثم كيف يمكن الاستدلال بمساحة الأراضي المملوكة للأديرة على أن المسيحيين غير مضطهدين في مصر؟ ما العلاقة بين هذا و ذاك؟ و بم تفسر الاعتداء المتكرر على كنائس المسيحيين و بيوتهم و املاكهم؟ و إن كان هناك تفسير بنظرية المؤامرة في عهد ما بعد الثورة، فبم تفسر ما حدث و يحدث بعد الثورة؟ و بم تفسر سكوت المجلس العسكري و الحكومة عما يحدث؟ و بم تفسر الخطاب الديني المتعنت المتعصب من قبل بعض المسلمين و الذي يحمل في طياته العنف كما يحمل التعصب؟ و بم تفسر ما نلقاه يوماً فيوم من أحداث يومية مثل قول البعض "يا خسارة بس لو كنت مسلم" و أن يرى البعض إمرأة غير محجبة في الشارع (و هذا للأسف أصبح من أساليب تمييز المسيحيات) و خاصة إذا كانت ترتدي الصليب في عنقها فيشيح بوجهه و يقول "استغفر الله العظيم"، و أن يتم التمييز بين المسيحي و غيره في اشغال الوظائف؟
رجاء يا سادة كفاكم تهريجاً و عبثاً و قلة عقل و ارتقوا إلى مرتبة البشر. المسيحي لا يريد أن يعامل بتدليل في وطنه مصر، و لكنه لا يريد أن يعامل بتمييز، سواء كان هذا التمييز بالسلب أو الإيجاب.
اللهم أحمدك على نعمة العقل التي أنعمت بها علي، و أحمدك أنك عافيتني من عمى البصيرة و البصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق