طل علينا بوجهه القبيح الدكتور عصمت زقلمة من خلال الإنترنت، معلناً قيام الدولة القبطية في مصر...! و يبدو أن هذا الإعلان صدر في التاسع من يوليو و تأخر في الوصول إلينا قرابة الشهرين، و ربما كنت أنا الذي تأخرت في الاطلاع عليه، إذ انني وجدت أن الأستاذ وائل الإبراشي في حلقة من حلقات برنامج الحقيقة قد إستضاف القس فيلوباتير جميل راعي كنيسة السيدة العذراء بفيصل، و الأستاذ ممدوح رمزي المحامي و الناشط السياسي، و الأستاذ إسحق حنا أمين عام الجمعية المصرية للتنوير، و ذلك لنقاش هذا الإعلان الفريد من نوعه و بمشاركة الدكتور عصمت زقلمة من واشنطن تليفونياً.
خلاصة الأمر أن الدكتور عصمت زقلمة أعلن "رسمياً" قيام الدولة القبطية في مصر بصفته رئيساً لها و المتحدث الرسمي باسمها، و ذكر عشر نقاط في الإعلان التأسيسي لتلك الدولة. و الحقيقة أنني لم أكن أعرف من هو الدكتور عصمت زقلمة رئيس الدولة القبطية بالرغم من أنني قبطي قح. و بناء عليه قررت أن أبحث في الإنترنت لأعرف رئيس دولتي الجديد.
الدكتور عصمت زقلمة هو من خريجي كلية الطب بجامعة القاهرة دفعة ١٩٧٠ و هاجر للولايات المتحدة--على ما يبدو لي عام ١٩٧٨--حيث حصل على ترخيص مزاولة المهنة كطبيب تخدير (و لي الفخر حيث أنني أنا أيضاً طبيب تخدير و من خريجي جامعة القاهرة) عام ١٩٨٢ رقم 25MA04011000 و يعمل بمدينة نيو جيرسي. و على ما يبدو أنني لم أكن متابعاً بما يكفي للحركة السياسية القبطية و لم أدرك الدور السياسي الخطير الذي قام به الدكتور عصمت زقلمة على مدار الأعوام المنصرمة في رعاية مصالح الأقباط و الذود عنهم في مصر و في الخارج.
و تلخصت النقاط العشر التي تضمنها الإعلان التأسيسي للدولة القبطية فيما يلي:
- الإعلان عن قيام الدولة القبطية في التاسع من يوليو عام ٢٠١١ ميلادية بعد سنوات من التحضير لتراعي مصالح الأقباط و تحميهم من المستعمر العربي الغازي الذي نهب ثروات مصر منذ القرن السادس الميلادي. و إستشهد سيادته بآية من الكتاب المقدس هي "كيف يعثر أخي و أنا لا التهب" على حد قوله.
- أن الدولة القبطية ستكون جزء لا يتجزأ من المنظومة السياسية الممثلة لمصر في المحافل الدولية للنهوض بها رأسمالياً و فكرياً و عملياً. و أن الله حبى مصر بثروات كثيرة، و إستشهد أيضاً بآية من الكتاب المقدس هي "مبارك شعبي مصر".
- أن الدولة القبطية دولة مدنية علمانية لا دين لها، و هي تضمن حرية العقيدة و حماية جميع الأديان و المساواة التامة أمام القانون و ترفض تقسيم مصر و تطالب بتقسيم الموارد بنسبة ٢٥٪ للأقباط، و أن يشغل الأقباط ٢٥٪ من مناصب الدولة، و أن يكون رئيس الوزراء مسيحياً و رئيس الجمهورية مسلماً و يتبادلان الموقعين كل أربع سنوات.
- تكليف مكتب المستشار موريس صادق بصياغة دستور الدولة القبطية في خلال ثلاثين يوماً.
- تشكيل لوبي أمريكي كحلقة وصل بين الأقباط و الإدارة الأمريكية و الاتحاد الأروبي و ذلك أسوة بالحكم الذاتي للأكراد في العراق.
- الدولة القبطية ترفض تطبيق الشريعة الإسلامية على الأقباط في مصر و تطالب أن يكون للأقباط قضاء مستقل و إدارة مستقلة.
- تم الإعلان عن فتح باب الانضمام لهذه الدولة الفتية.
- التخطيط لإنشاء جامعة مصرية تحت اسم "أغابي" و مطالبة أمريكا بتمويل الجامعة بنسبة ٤٠٪ و الاتحاد الأوروبي بنسبة ٤٠٪ و كندا بنسبة ١٠٪ و أستراليا بنسبة ١٠٪ و الحكومة المصرية بمليار دولار لدعم و صيانة الجامعة لتنافس جامعة الأزهر.
- إنشاء حزب وطني في مصر يمثل الأقباط في مجلسي الشعب و الشورى و يدافع عن حقوقهم و يرعى مصالحهم.
- إيجاد فرص عمل للأقباط في خارج مصر و داخلها، و رفع شعار "إرفع رأسك يا أخي القبطي" لأن القبطي مدعوم برأس مالية قبطية عالمية.
و أود أن أعلق على هذا الإعلان ككل و على ما ذكره سيادة الرئيس عصمت زقلمة فيه، و كذلك على ما سمعته في البرنامج الحواري للأستاذ وائل الإبراشي. أرجو منكم أن تحتملوني في إطالة الحديث.
أولاً، حسبتني جاهلاً بمقومات قيام الدول و الإعلان عنها. بكل تأكيد، فإن الدكتور زقلمة بصفته رئيساً لتلك الدولة يعلم أكثر مما أعلم و له في السياسة الخارجية الدولية باع طويل. الدكتور زقلمة كرر مراراً أن الدولة القبطية لا أرض لها و أنها ضد تقسيم مصر، ثم استشهد بالحكم الذاتي للأكراد في العراق كنموذج لما يقصده بالدولة القبطية. الحقيقة أن الأكراد وضعهم مختلف تماماً عن الأقباط. الأكراد يمثلون عرقاً مختلفاً عن العرب و عن الفرس، و يتكلمون لغة مختلفة هي اللغة الكردية و هي أقرب للفارسية، و يقطنون منطقة واسعة تشمل عدة دول هي العراق و إيران و تركيا و سورية و أرمينيا، و هم يمثلون أقلية عرقية متميزة في كل هذه الدول. الأكراد لهم ثقافة مختلفة و لغة مختلفة و هم من أصل عرقي مختلف في الدول التي يقطنون بها، و يشتركون مع الأقباط في شيء واحد فقط و هو أن منهم العديدين في المهجر. الحكم الذاتي للأكراد في العراق، مثله مثل الحكم الذاتي للسلطة الفلسطينية في غزة، يعطي للأكراد منطقة حكم ذاتي، أي يقسم البلاد إلى منطقتين، و الواقع أن الحكم الذاتي لا يستقيم تعريفه بدون أرض و حدود يطبق داخلها الحكم الذاتي.
الأقباط يختلفون تماماً عن الأكراد. الأقباط ينتمون لنفس العرق و نفس الجذور و يتكلمون نفس اللغة و لهم تاريخ مشترك مع المصريين المسلمين. الفارق الوحيد بين الأقباط و المسلمين في مصر هو الديانة. الأقباط لا حدود لهم و لا يتركزون في منطقة معينة من دون باقي البلاد، بل هم منتشرون في كل أرجاء البلاد من شمالها إلى جنوبها و من شرقها إلى غربها. الأقباط لهم آثار و ذكريات في كل مكان في أرض مصر، فنجد أديرة وادي النطرون في شمال غرب مصر و أديرة البحر الأحمر في شرقها و شجرة العذراء و كنائس مصر القديمة في وسطها و كنيسة الشهيد سيدهم بيشاي في دمياط في شمال شرقها و جبل الطور و عليقة موسي حيث استلم الوصايا العشر من الله في سيناء في شرقها، و العديد من أديرة الصعيد على إمتداد جنوبها.
الأقباط يتكلمون نفس اللغة التي يتكلمها المسلمون، و تراثهم فيه قطاع كبير مشترك مع المسلمين. الأقباط يشاركون في مظاهر الاحتفال برمضان و المولد النبوي، و يشاركهم المسلمون الاحتفال بشم النسيم الذي هو أصلاً مناسبة قبطية في أصله. الأقباط سالت دماؤهم و اختلطت بدماء المسلمين في حروب عدة من أجل وطن واحد هو مصر. الأقباط و المسلمين في مصر يأكلون نفس الأطعمة و يعرفون عادات و تقاليد البعض معرفة جيدة، و يهنئون بعضهم البعض في الأعياد و الأفراح و يشاطرون بعضهم البعض في الأحزان، سواء كانت الشخصية أو الوطنية. الأقباط و المسلمون في مصر يعشقون أم كلثوم و يطربون لصوت عبد الحليم و يرقصون على أنغام حكيم. الأقباط و المسلمون في مصر يعانون من نفس المشاكل في الكساء و الغذاء و السكن و التعليم و الصحة و غيرها.
الأقباط رفضوا من قبل الحماية الروسية عندما عرضها عليهم قيصر روسيا. في عهد البابا بطرس السابع (الشهير بالجاولي) و الذي جلس على كرسي مار مرقس البابوي من ١٨٠٩ إلى ١٨٥٢، بعث قيصر روسيا مبعوثاً للبابا يعرض عليه وضع أقباط مصر تحت حمايته، فسأله له البابا بطرس "هل يعيش القيصر إلى الأبد؟" فرد قائلاً "بل يموت مثل كل البشر" فأجابه البابا بطرس قائلاً "فالكنيسة إذن يحميها راعي الرعاة و ملك الملوك الذي لا يموت" قاصداً السيد المسيح. و الأمثلة كثيرة في عهد البابا شنودة الثالث على رفض الكنيسة لفرض الحماية الدولية على الأقباط.
الأقباط يعيشون مرفوعي الرأي في وطنهم مصر. لا يختلف قبطي معتدل مع قبطي آخر معتدل على إن هناك شيء من التمييز ضد الأقباط في مصر، و لكن الأقباط لم يكونوا أبداً مطأطئي الرأس في وطنهم يا سيدي الرئيس. رأسنا مرفوعة دائماً لفخرنا بإيماننا المسيحي و بتاريخ كنيستنا العريق، و لثقتنا في وعد الله لنا بأن أبواب الجحيم لن تقوى على الكنيسة. رأسنا مرفوعة لأننا لا نستحي من إيماننا و نعرف تمام المعرفة أن السيد المسيح أنبأنا مسبقاً أن في العالم سيكون لنا ضيق، و لكنه طمأننا قائلاً "ثقوا أنا قد غلبت العالم". إن كنت تتكلم عن الرأس المصرية الذي طؤطئت غصباً و قهراً في عهد المخلوع غير المأسوف عليه، فإننا نطلب منك أن تقول "إرفع رأسك فوق... أنت مصري"، فهو لم يكن يفرق بين الأقباط و المسلمين في الإهانة و المذلة. أما إن كنت تتكلم عن الرأس القبطية تحديداً، فاعلم أنها رفعت في التحرير بجوار الرأس المسلمة هاتفين معاً لوطن واحد.
كل العاقلين في مصر يسعون الآن لنبذ التمييز بين المواطنين و المساواة التامة بينهم أمام القانون، و تأتي سيادتك تطالب بالتمييز لصالح المسيحيين، معتمداً على أن القبطي--من وجهة نظرك--مدعوم برأس مال قبطي من الخارج. إذهب يا سيدي الرئيس غير مأسوف عليك كما ذهب المخلوع، فالأقباط في المهجر لا يريدون تمييزاً و لا يدعمون تمييزاً و فرقة كما تدعي، و لكنهم يريدون وطناً حديثاً بدون تمييز يجمعهم جميعاً مع أهلهم و جيرانهم الذين تغربوا عنهم. يريدون أن ينقلوا أمريكا التي تفخر بها إلى مصر حضارة و حرية و ديمقراطية و علماً و يريدون أن تكون مصر نداً لأمريكا و أكثر، و لا يريدون أن ينقلوا منها أسوأ ما في تاريخها إلى مصر و هو التمييز و العنصرية.
لا يختلف معك الأقباط في رفض تطبيق الشريعة الإسلامية عليهم، و إن كنت حقاً مخلصاً صادقاً، فهناك الكثير من الطرق المشروعة للمطالبة بهذا الحق، ليس من ضمنها بكل تأكيد إعلان دولة داخل الدولة. و كما يرفض الأقباط إنشاء احزاب قائمة على الإسلامي فهم أيضاً يرفضون إنشاء احزاب قائمة على الدين المسيحي أو احزاب ترعى مصالح أتباع دين من المواطنين من دون أتباع الدين الآخر. هل في أمريكا حزب يقر علناً بأنه يرعى مصالح فئة من المواطنين من دون الأخرى؟ هل يوجد مثل هذا الحزب في أي دولة متقدمة في العالم؟ ثم هل تريد إغراء ضعاف النفوس بالوعود المعسولة بإيجاد فرص عمل لهم في الخارج؟ و هل تعمل دولتك القبطية على تهجير الأقباط من مصر؟ و لماذا تريد أن تنافس جامعة الأزهر تحديداً بجامعتك المزعومة؟ الدولة تدعم كل الجامعات على مستوى الجمهورية يا سيدي الرئيس، و جامعة الأزهر واحدة من ضمن هذه الجامعات.
سيدي الرئيس، إن كنت حقاً رئيساً لدولة قبطية، فأنت تعلم أن الأقباط لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يشكلوا ٢٥٪ من تعداد سكان مصر حتى و إن أضفت لهم أقباط المهجر و أبناءهم من الجيل الثاني و الثالث، و أن المطالب التي تطالب بها هي مجحفة لباقي المصريين. و إن كنت حقاً قبطياً مخلصاً لدينك لعلمت أن الآيات التي استشهدت بها من الكتاب المقدس لم يكن سياقها مؤيداً لأفكارك العنصرية البغيضة، فأرجو منك أن تتعلم دين الأقباط جيداً قبل أن تدير دولتهم.

و لي تعليق أيضاً على شراكتك للمستشار موريس صادق الذي طالب من قبل إسرائيل بالتدخل لحماية الأقباط في مصر و طالب بفرض الحماية الأمريكية على مصر لحماية الأقباط. يحضرني في هذا الموقف المثل القائل "الطيور على أشكالها تقع"، فبغض الأقباط لأفكار موريس صادق العنصرية الخالية من الوطنية لا يقل عن بغضهم للأفكار التي طرحتها سيادتكم في البيان التأسيسي للدولة المزعومة التي فتحتم باب الانضمام إليها كما لو كانت ناد من النوادي الترفيهية. الدولة لا ينضم لها مواطنون يا سيدي الرئيس. الدولة يقيمها مواطنوها.
ذكرت في حوارك مع الأستاذ وائل الإبراشي أنك صرت رئيساً بالانتخاب، و رفضت أن تذكر لنا عدد الذين انتخبوك من منطلق أن العدد ليس مهماً...! فما هو المهم إذاً يا سيدي الرئيس؟ الأقباط ملايين، فكم منهم يوافقك الرأي فيما تفعل و تقول؟ و ذكرت سيادتك أن المريض لا يحتاج لتفويض من الطبيب لعلاجه، و أنت أدرى الناس بأن هذا غير صحيح. لا شرعية لك إلا في مصحات الأمراض العقلية يا سيدي الرئيس، فاذهب هناك و احكم و ترأس و سندعمك كل الدعم آنذاك.
اذهب غير مأسوف عليك. اذهب بغير رجعة. اذهب و دعنا نبني وطناً لأبنائنا لا يعرف التمييز و يحترم فيه المواطن--أي مواطن--كل الاحترام داخله و خارجه. اذهب أنت و أمثالك من كل دين و جنس و عرق و لون، فمصر تلفظك و الأقباط يتبرأون منك و من جنونك، و أنا شخصياً شعرت بالعار لأنك تخرجت من نفس كلية الطب التي تخرجت أنا منها و تمتهن نفس المهنة التي أمتهنها. حفظ الله مصر من كل زقلمة، و زقلمك الله دوماً يا سيادة الرئيس المزقلم المبجل.
رفيق ميخائيل
قبطي مصري يرفض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق